أعلى مراتب الانتهازية
كتب: رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة"
ان تتصيد حركة حماس في المياه العكرة لمناكفة الرئاسة وحكومتها في قضايا الشأن الداخلي، أمر يظل مفهوما الى حد ما، دون ان يكون مقبولا بطبيعة الحال، لأن هذا ما عطل وما زال يعطل المصالحة الوطنية حتى اللحظة، لكن ان تواصل حماس هذا السلوك وهذه السياسة، في قضايا الشأن الوطني العام، التي تتعرض اليوم لأخطر محاولات التصفية، فهذا ما ينبغي ملاحقته بمزيد من الاجراءات التي توقف حماس عند حدها على الأقل في هذا الاطار، لأن مصالح الوطن العليا لا تقبل المغامرة، ولا التلاعب بها، ولا المناكفة لأجل غايات حزبية تظل أبدا ضيقة.
اللحظة الراهنة في حياتنا النضالية اليوم، هي لحظة تاريخية بكل المقاييس، ودم الشهداء الطاهر الذي سال في مسيرة العودة بقطاع غزة، جراء تغول الاحتلال في خيارات القتل العنصرية، هو دم هذه اللحظة التي رفعت عاليا رسالة فلسطين وشعبها، ان المشاريع التصفوية التي تقودها "صفقة القرن" لن تمر أبدا.
وبقدر ما هذه الرسالة شديدة الوضوح والقوة والبلاغة في وطنيتها، وفي رسوخ خياراتها النضالية السلمية، بقدر ما أخفقت حماس في التقاطها بهذا المعنى الذي لا يقبل التأويل ولا التحريف، بل انها وفي محاولة منحطة تسعى لاستغلال دماء الشهداء الطاهرة، لصالح بقاء سلطتها الانقسامية في القطاع المكلوم واصلت حماس خطابات الفتنة والتحريض على الرئيس أبو مازن، مثلما يريد أصحاب "صفقة القرن" الذين هددوا قبل أيام الرئيس "بالبديل الملائم" ...!!
الناطق الرسمي باسم حماس فوزي برهوم وبدل ان يعلن مساندة حركته لدعوة الرئيس ابو مازن ضرورة تأمين الحماية الدولية لشعبنا، ذهب برهوم الى اعلى مراتب الانتهازية باستغلال بشع لدم الشهداء الطاهر وعاد يردد عبارات التحريض الحمساوية ضد القيادة الشرعية بذريعة "ان شعبنا بحاجة الى قيادة حكيمة وامينة" حسب تعبيره بالنص ، لم يقل شجاعة، ولم يقل وطنية، لأن السفير الأميركي الصهويني فريدمان بتهديداته للرئيس أبو مازن، تحدث عن بديل "ملائم" لما اسماها عملية السلام، و"ملائم" على ما يبدو بمعنى ان يكون حكيما ليقبل بـ "صفقة القرن" وان يكون أمينا عليها..!!
كان الأجدر بالناطق الرسمي برهوم، ان يتحدث عن ضرورة الوحدة الوطنية في لحظة الدم الراهنة، وان يندد تاليا بالتغول الاحتلالي، لكن أوهام الامارة والدويلة المؤقتة، ما زالت هي التي تحكم خطاب حماس وسلوكها وسياساتها، ولسنا نتجنى عليها هنا مطلقا، طالما انها لم ترتق لمستوى لحظة الدم التاريخية، وضروراتها الوحدوية، وطالما انها ما زالت تروج لكذبة "العقوبات" التي تقول ان الرئيس أبو مازن يفرضها على قطاع غزة، وأبناء القطاع يعرفون انها ليست الا اجراءات الضرورة الوطنية، لدحر الانقسام البغيض، ومن أجل ألا يكون في المحافظات الجنوبية، سوى سلطة واحدة، وقانون واحد، وسلاح الشرعية الواحد، لا سلاح المليشيات الذي يقمع ويقتل ويفجر و"يخوي" على الناس..!!
وما كان يضير رئيس المكتب السياسي لحماس، وبدل ان ينطق عبر فوزي برهوم بكلام التحريض القبيح، ما كان يضيره لو اتصل مع الرئيس أبو مازن ليبحث وإياه سبل مواجهة التغول الاسرائيلي..؟؟ أليس هذا هو المفروض وطنيا في مثل هذه اللحظة..؟؟ لكنها أوهام حماس وغاياتها الحزبية الاخوانية، التي باتت واضحة الهرولة نحو الحلول الاقليمية التي لا شيء لفلسطين فيها..!!
دم الشهداء الطاهر الذي سال في سبيل العودة، لن يكون أبدا بركة تصيد لأي شيء ولا لأي حد كان، ولن يكون ذريعة لأي موقف انتهازي ومساوم، ولن يفتح غير دروب العودة، وهو يقبر بمنتهى الوضوح كل المشاريع التصفوية ويفضح الساعين خلفها.