"تراكتورون" الإنقاذ
سامي أبو سالم
راقب المشاهدون على شاشات التلفزيون سقوط الجرحى على أطراف قطاع غزة مباشرة، وفي تلك الاثناء، شاهدوا واحدا من مشاهدة عديدة لم تكن مألوفة من قبل.
كان التراكتورون الذي ينقل الجرحى واحدا من سلسلة مشاهد تناقلتها وسائل الاعلام.
وقال إسماعيل العثامنة لمراسل "وفا"، إنه نقل "بالتراكتورون" في مسيرة أمس الاول زهاء الخمسين مصابا من الذين أطلق قناصة من جنود الاحتلال عليهم النار خلال مشاركتهم في مسيرة العودة التي نظمت في الذكرى الثانية والأربعين ليوم الأرض.
"نقلت زهاء خمسين مصابا، معظمهم شباب، لكن نقلت أيضا أطفالا وامرأة أصيبت في ساقيها"، قال العثامنة، وهو والد لعشرة اطفال.
بعد أن انهمك أمس الاول في نقل عشرات الجرحى على دراجة ذات الدواليب الأربعة "التراكتورون"، حاول إسماعيل العثامنة أن يدير محركها صباح اليوم التالي، ليشارك في جنازة ابن خالته الشهيد حمدان أبو عمشة (26 عاما) وإذ بها متعطلة ولا تعمل.
هاتَف العثامنة (40 عاما) الميكانيكي الذي وصل ونقلها بشاحنته الصغيرة إلى ورشته في بيت لاهيا المجاورة لبيت حانون.
وكان العثامنة توجه بدراجته إلى "تل أبو صفية"، شرق جباليا، للمشاركة كغيره في مسيرة العودة لكنه تفاجأ بسقوط الجرحى وعربات الاسعاف لا تستطيع الوصول لهم.
"المنطقة زراعية ومحروثة حديثا ولا تستطيع سيارة الإسعاف التحرك فيها. كنت أحمل المصابين من المكان الوعر وأسلمه إلى سيارة الإسعاف."
وكانت عربات الإسعاف تتموضع في آخر منطقة يمكنها التحرك فيها، وتبعد على الأقل 600 متر عن الأماكن التي وقع فيها عدد كبير من المصابين.
ويذكر العثامنة أنه نقل من الشهداء محمد كمال النجار (25 عاما). "كان مصابا في فمه نقلته للإسعاف وبعد قليل أعلن عنه شهيدا، أول شهيد في شمال غزة".
وأضاف انه نقل مصابا في فخذه ينزف بشدة، استشهد بعد ذلك والطفل عبد أبو وردة لكنه بخير الآن.
وقتل جنود الاحتلال أمس الجمعة 15 مواطنا كانوا في مسيرات العودة في قطاع غزة المحاصر إسرائيليا منذ 11 عاما، فيما أصيب 1415 مواطنا منهم 758 بالذخيرة الحية، والبقية برصاص مغلف بالمطاط أو استنشاق غاز مسيل للدموع، وغير ذلك، وفقا لمصادر طبية.
وتناقل نشطاء عبر منصات التواصل الاجتماعي صورا ومقاطع فيديو لمواطنين يلقون مصرعهم برصاص قناصة من جنود الاحتلال.
من المواقف التي واجهته في إنقاذ المصابين قال العثامنة، إن أصحاب الحقول اعترضوا في البداية. "صاحب حقل بطيخ هاجمني عندما شاهدني أقود التراكتورون في حقله الجديد لأنني أتلفت مزروعاته، لكن عندما شاهدني أحمل مصابين رحّب بجهودي."
وحول الخطر المحدق به قال إنه تعرض لإطلاق النار ونجا بأعجوبة. "اخترقت رصاصة بنطالي لكنني لم أُصب، وأصيبت دواليب التراكتورون وأصلحتها."
في طرف المدينة نصب بيت عزاء أبو عمشة، والد الأربعة أطفال، ووقف العثامنة كأحد القائمين على بيت العزاء بصفته عضو "لجنة الشهداء والأسرى في حركة فتح إقليم شمال غزة".
على بعد امتار قليلة في الجهة الشمالية لبيت العزاء وتحت ظلال أشجار ارتفعت شواهد قبور قليلا عن الأرض، أشار إليها وقال: "هذه قبور أبناء عمومتي، قتلهم الاحتلال وهم نيام قبل عدة سنوات عندما كنت في السجون الإسرائيلية بتهمة الانتماء لحركة فتح."
وكانت مدفعية الاحتلال قصفت منازل لعائلة العثامنة في الثامن من تشرين الثاني عام 2006، ما أدى إلى استشهاد 18 فردا بينهم أطفال ونساء.
توجه العثامنة، الذي يعمل في جهاز الأمن الوقائي في السلطة الفلسطينية، إلى بيت لاهيا، يسأل الميكانيكي عن التراكتورون، لكنه أيقن أن مشكلته لن تحل بسهولة.
"الملف الكهربائي محترق ربما بسبب الأحمال الثقيلة" قال الميكانيكي رائد أبو جري (25 عاما).
نظر العثامنة إلى التراكتورون، ذات اللون الأخضر، بما أشبه بحسرة وتوجه إلى بيت عزاء ابن خالته الذي قُتل في قصف مدفعي إسرائيلي مساء شمال غزة.