اللوحة الأخيرة
زكريا المدهون
قبل يوم من استشهاده، بقي محمد أبو عمرو على غير عادته إلى ساعة متأخرة من المساء لإنجاز إحدى لوحاته الفنية على رمال البحر بالقرب من ميناء الصيادين غرب مدينة غزة.
هاشتاق "أنا راجع" وبجوارها علما فلسطين، آخر ما نحته الفنان أبو عمرو (27 عاما) على شاطئ البحر للدلالة على مشاركته في مسيرات العودة التي شهدتها الحدود الشرقية لقطاع غزة يوم الجمعة الماضي.
رحل محمد قبل تحقيق حلمه بالعودة إلى أرض فلسطين التاريخية، عندما استهدفته رصاصة من قناص إسرائيلي شرق المدينة بالقرب من مسقط رأسه في حي الشجاعية.
"احنا راجعين بعون الله، ما نرضى الوطن البديل، إلنا القدس ورام الله يافا وغزة والخليل... ستبقى كل فلسطين أرض لنا". آخر ما كتبه الشهيد على حسابه على "فيسبوك".
أبو عمرو كان يذهب بشكل يومي كما يقول أصدقاؤه الى شاطئ البحر لينحت على رماله الذهبية كلمات وعبارات تعكس آمال وآلام الغزيين المحاصرين منذ أكثر من أحد عشر عاما.
أول ما نحته أبو عمرو كلمة: "أمي" عرفانا منه بفضلها عليه.
"ومن منحوتاته، "يرحلون ونبقى"، "غزة الى متى"، "كل متوقع آت"، "القدس ثورتنا"، "كيف ينام الألم"، "ستفرج" و"لنا في الخيال حياة"، و"أنا راجع"، وكانت آخر ما خطته يدا الفنان أبو عمرو، والتي لم يهدمها هذه المرة، يقول الرسام أسامة أبو حمرا لـ"وفا".
وتابع أبو حمرا "تعرفت على محمد أبو عمرو قبل عام عندما جاء لأول مرة للنحت على رمال البحر"، مشيرا الى أنه كان يأتي الى البحر بشكل شبه يومي لإنجاز فكرة أو عمل بطلب من آخرين.
أبو حمرا يعد وجها مألوفا على شاطئ البحر، وتحديدا في منطقة الميناء، بيد أنه يقضي وقتا طويلا في الرسم والتصوير الفوتوغرافي منذ سنوات عديدة.
وأوضح أن الشهيد أبو عمرو كان يأتي الى البحر في ساعات الصباح ويغادره بعد غروب الشمس.
نحت أبو عمرو للشهيد "أبو عمار" وللشهيد أحمد ياسين وللأسيرة عهد التميمي.
في الذكرى الثالثة عشرة لاستشهاد "أبو عمار" نحت كلمة "عرفات 13" ووضع بجوارها صورة له وعلمي فلسطين.
بعد إنجاز عملية النحت التي تستغرق وقتا طويلا، يلتقط أبو عمرو صورة فوتوغرافية لها بواسطة هاتفه النقال، ثم يقوم بهدمها بنفسه أو تغمرهما مياه البحر.
وأشار أبو حمرا، الى أن خط الشهيد كان جميلا، وكان يستخدم أشياء بسيطة في عمله "المسطرين" لأن النحت على الرمل يحتاج الى صبر ودقة متناهيين.
ونوه إلى أن زميله كان يتمتع بعلاقة جيدة مع الجميع، وكانا يتشاوران ويتبادلان الأفكار والنصائح قبل البدء بأي عمل فني، لافتا الى أن آخر صور فتوغرافية التقطها الشهيد بكاميرا هاتفه كانت لأطفال يلهون على شاطئ البحر.
وتابع، جسّد ما يدور في عقله من أفكار وحولها الى واقع، رسم الشهيد لشركات ومؤسسات وأفراد مقابل عائد مادي، كان عاطلا عن العمل كما يقول زملاؤه.
إلى جانب عشقه للوطن وشهدائه، كتب الشهيد للحب والعاشقين، ونحت قبل رحيله بيومين على الرمل اسمين لشاب وفتاة مخطوبين: "محمود وسلسبيل".