محمد أبو عمرو.. استشهد قبل تحقيق حلمه فحققه صديقه
غزة - الحياة الجديدة - عماد عبد الرحمن - وسط حالة البكاء التي انتابته وهو يحتضن صديق ابنه على رمال شاطئ بحر غزة، بدى والد الشهيد الفنان محمد أبو عمرو صاحب منحوتة "أنا راجع" سعيدا بتحقيق أمنية ابنه في نحت أكبر خارطة لفلسطين على رمال الشاطئ.
محمد تمنى قبل استشهاده نحت أكبر خارطة لفلسطين بمساحة 100 متر مربع، ولصعوبة العمل والتكلفة أرجأها، وقام بنحت كلمة "أنا راجع" ولم يمهله الاحتلال ليستشهد بعدها بيوم واحد فقط في مسيرة العودة التي وافقت ذكرى يوم الأرض على حدود قطاع غزة.
الفنان النحات اسامة اسبيتة صديق طفولة الشهيد محمد وأول من علمه فن النحت على الرمال اعتبر أمنية محمد وصية واجبة النفاذ، فحقق حلم صديقه بنحت خارطة فلسطين على نفس المكان الذي تمنى الشهيد أبو عمرو تنفيذ منحوتته، ولكن حبا لصديقه الشهيد قام بنحت خارطة فلسطين ثمانية أضعاف ما تمناه، أي على مساحة 800 متر مربع.
يقول اسبيتة لـ "الحياة الجديدة": "الشهيد محمد صديق طفولة قبل أن يكون صديق موهبة، وقبل سنوات طلب مني أن أعلمه بطريقتي فن النحت على الرمال، فشرعت في اصطحابه معي للشاطئ، وبدأ بمراقبتي وأنا أقوم بالنحت، وكان كل يوم يزداد اصرارا ونشاطا لإنجاز عمله الخاص، وكانت بداياته بكلمات بسيطة مرتبطة بواقعنا الفلسطيني وقضيتنا مثل كلمات: عائدون، صامدون، الأسرى، الحرية، وأسماء شهداء عند وقوع أحداث، حيث كان هدفنا من هذه الأعمال توثيق الأحداث التي نمر بها اضافة الى توجيه رسالة للفت انتباه العالم لقضيتنا".
ويضيف: "أعرب محمد قبل استشهاده عن رغبته في نحت خارطة فلسطين على مساحة 100 متر مربع قبل كلمة (أنا راجع)، وكون الخارطة كبيرة وصعبة على موهبته حيث ما زال في بداياته، لجأ لي وطلب مساعدتي ومشاركته في العمل، حيث انني امتلك خبرة طويلة في هذا العمل، فوافقت ولكن طلبت منه انتظار الفرصة المناسبة لإنجاز العمل، ولكن القدر لم يمهله طويلا ليستشهد بعد يوم واحد فقط من نحته كلمة (أنا راجع)".
تنفيذ الوصية
ويتابع أبو اسبيتة: "فوجئت باستشهاد محمد واندهشت في نفس الوقت، فالشهيد كان فنانا، وكل ما فعله أنه شارك في مسيرة سلمية تطالب بحق العودة، واعتبرت حلمه وأمنيته وصية يجب تأديتها وإهداؤها لروحه، فبدأت ثالث يوم من استشهاده بالتواصل مع والده الذي صرح في أكثر من لقاء صحفي برغبة ابنه في إنجاز هذا العمل، وأشار لي في تصريحاته وكأنه يحملني أمانة تنفيذ وصية ابنه، وتواصلت أيضا مع أقاربه وأصدقائه وأعلنت لهم عن رغبتي في تحقيق أمنية الشهيد، ورحبت بكل من يحب أن يحضر أو يشارك وأعلنت على مواقع التواصل الاجتماعي بأنني سأنفذ أمنية الشهيد محمد، وبالفعل حضر والده وما يقارب 15 شخصا طلبوا المشاركة في العمل والمساعدة".
إنجاز أكبر منحوتة
يقول اسبيتة: تواجدت على شاطئ البحر من الساعة 7 صباحا وبدأت أعمل بالخريطة، ومعي صديقي ومساعدي قصي الحلو، وهو أكثر شخص يتواجد معي في أعمالي، وبدأت برسم الاسكتش على الرمال، وحضر أصدقاء الشهيد محمد وبدأنا بنحت الخريطة".
وأضاف: الشهيد محمد كان يحلم بعمل خريطة بمساحة 100 متر مربع للضفة وقطاع غزة، لكني وحبا له ووفاء لروحه قمت بعمل خريطة بمساحة 800 متر مربع ، كانت عبارة عن خريطة كاملة لفلسطين، وتم إنجاز العمل وحقق صدى وانتشارا واسعا.
والد الشهيد
وأشار اسبيتة الى أن والد الشهيد محمد افتتح العمل، ولم يتمالك نفسه عند اتمام الخريطة، حيث اجهش بالبكاء واحتضنني وظل يبكي وهو ممسك بيدي وكان ظاهرا عليه التأثر الشديد لفقدان ابنه، ولكن معنوياته كانت مرتفعة بتحقيق أمنية ابنه الشهيد.
واختتم اسبيتة حديثه قائلا: الشهيد محمد كان يتمنى أن يجد جهودا داعمة لفنه وتحقيق أحلامه، لأن فن النحت خاصة يحتاج لجهد وتكاليف كبيرة، لكن هناك قصور واضح من الجهات المعنية بالشباب في قطاع غزة، والتي من المفترض أن تقدم كل الدعم لهم لإظهار مواهبهم لأنها تعكس الوجه المشرق والجميل للوطن ولقضيتنا. وتساءل اسبيتة: ما جدوى تسليط الضوء على الفنان ودعمه بعد موته!!