"ربو المناشير" في الخليل.. ذريعة إسرائيل للقرصنة
ساهر عمرو
يعد (ربو مناشير الحجر)، من العوامل التدميرية للبيئة والأراضي الزراعية، وعنصر استنزاف للموارد والامكانيات، وذريعة لقرصنة إسرائيل لمئات الملايين من الشواقل، ومبرر لإجراءات عقابية إسرائيلية تحاصر أهم القطاعات الاقتصادية ليس على مستوى الخليل فقط بل على مستوى الوطن.
وفي المقابل، سلسلة من المحاولات الجزئية لإيجاد الحلول، لم تحقق الغاية منها في وقف النزيف البيئي والاقتصادي حتى يومنا هذا، وحلول جذرية يقف الاحتلال عائقا أمام تنفيذها وإنجازها.
"ربو المناشير" أحد مخرجات صناعة الحجر، وهو عبارة عن مخلفات على شكل معجون، يتكون من البودرة الناتجة عن عمليات بردخة وتلميع وقص الحجر أو البلاط، مخلوطة بالماء المستعمل في تبريد عملية القص، وتعد كإحدى أكبر المخلفات الصناعية في الخليل.
من الناحية البيئية يرى بهجت جبارين مدير سلطة البيئة في الخليل ان مادة "الربو" أو ما يعرف علميا بكربونات الكالسيوم، جرت العادة على التخلص منها من خلال إلقائها في الاراضي الزراعية وعلى جوانب الطرقات، أو من خلال شبكات الصرف الصحي، ما أدى لحدوث العديد من الكوارث البيئية، وتغيير في المكونات الطبيعية للتربة، وتشويه منظرها الطبيعي العام، واتلاف لمئات الدونمات من الأراضي الزراعية الخصبة، وتغطيتها بطبقة بيضاء من كربونات الكالسيوم تمتد على طول الأراضي المحيطة بمجرى المياه العادمة لمسافة تزيد عن 44 كم وبعرض يتراوح ما بين 50-70 مترا، بالإضافة الى تسربها للمياه الجوفية مما يؤدي للإخلال بالمكونات الطبيعية للمياه وتلويثها.
المناشير من أهم الصناعات التحويلية التي تتبع قطاع الحجر، والذي يشكل ما يقارب 5% من الناتج المحلي الاجمالي، يوجد في الخليل ما يزيد عن 250 منشارا ومشغلا للحجر يتركز ما يقارب 50% منها في المنطقة الصناعية (الفحص)، تنتج ما لا يقل عن 500 متر مكعب يوميا من مادة الربو بما يقدر 182000 مترا مكعبا سنويا، يتفق الجميع على اعتبارها موردا مهما في المستقبل يمكن تصنيعه والاستفادة منه، في حين يرونها بوضعها الحالي كارثة بيئية واقتصادية.
وأوضح مدير دائرة الصرف الصحي في بلدية الخليل المهندس مروان الأخضر، ان مناشير الحجر اعتادت على تجميع هذه المادة السائلة في برك للترسيب لفصل المياه عن مادة الربو، واعادة استخدام المياه في عملية التبريد، وما تبقى كان يلقى ومنذ عشرات السنين في شبكات الصرف الصحي التابعة للبلدية، الأمر الذي خلف آثارا سلبية ومدمرة على هذه الشبكة، فالطبيعة الخاصة لهذه المادة هي مترسبة وذات لزوجة عالية تجعل من تصريفها وانسيابها في شبكة الصرف الصحي أمرا بالغ الصعوبة، وأدى وصولها إلى شبكة الصرف الصحي الى إغلاقها بالكامل في كثير من الأحيان.
وأشار الى ان عملية تنظيف هذه المادة مكلف جدا بحيث تصل كلفة المتر الواحد ما يزيد عن 100 يورو، وفي حالات كثيرة تضطر البلدية لاستبدال اجزاء كبيرة من الشبكة لعدم امكانية تنظيفها من هذه المادة، مضيفا أن ما تكبدته بلدية الخليل من خسائر لمعالجة آثار هذه المادة خلال السنوات القليلة الماضية تزيد عن 15 مليون شيقل، وان هذا المبلغ مرشح للزيادة بشكل كبير خلال الفترة القادمة ما لم يتم ايجاد الحلول الضرورية والدائمة لهذه الكارثة.
من جانبه يرى منسق القطاع الخاص في وزارة الاقتصاد الوطني مهيب الجعبري، أن جميع المحاولات السابقة لا تتعدى كونها حلولا جزئية فشلت في معظمها، وان هذه المشكلة في تصاعد مستمر وتستنزف الامكانيات، مشيرا الى ان الاحتلال الاسرائيلي يقتطع ومنذ ما يزيد عن عشرة أعوام ما يقارب 28 مليون شيقل سنويا من المقاصة الفلسطينية كغرامة لمعالجة المياه العادمة الخارجة من محافظة الخليل، والتي تصل محطة المعالجة المقامة داخل اراضي 48 والتي تسمى (شوكت)، بحجة احتواء هذه المياه على مادة الربو، معتبرا ذلك قرصنة إسرائيلية فهي تقوم باستخدام المياه المعالجة في الزراعة، في حين يتحمل الفلسطينيون تكلفة مضاعفة لهذه المعالجة، فهي تُدفّعنا ثمنا مضاعفا للمعالجة وتمنع عنا مخرجاتها.
وفي ذات السياق أشار رئيس اتحاد صناعة الحجر في الخليل نور الدين جردات، الى قيام اسرائيل وعلى مدار السنوات السابقة باتخاذ العديد من الاجراءات العقابية بحق هذه الصناعة وأصحابها، ابتداء من اجراءات الاحتلال بوقف وسحب التصاريح من أصحاب هذه الصناعات، وانتهاء بالقرار الاسرائيلي الأخير منذ ما يقارب الشهرين، بمنع تصدير الحجر من محافظة الخليل والذي استمر لمدة شهر، بحجة مخالفة إحدى التجمعات الصناعية لقطاع الحجر في محافظة الخليل للشروط البيئية، تحديدا في التعامل مع مادة الربو، ونظرا لاعتماد هذا القطاع على عملية التصدير والتي تستحوذ على ما يقارب 85% من انتاج المحافظة من قطاع الحجر، منها ما يقارب 70% يذهب للأسواق داخل اراضي 48، فقد كانت الخسائر الاقتصادية الناجمة عن قرار المنع هذا كبيرة جدا، مقدرا ايها بما يقارب 37.5 مليون شيقل.
وحول الحلول التي يتم العمل عليها حاليا، أوضح رئيس شعبة المياه العادمة والربو ببلدية الخليل والمكلف بمتابعة هذا الملف المهندس تيسير الشويكي أن الحل الجذري لهذه المشكلة يقوم على مرحلتين:
المرحلة الاولى: ايجاد مكب مخصص لهذه المادة تتوفر فيه الشروط البيئية والاقتصادية، بحيث يتم تجميع مادة الربو لتشكل مخزونا يمكن الوصول اليه واستثماره مستقبلا، في حال توفر أفكار استثمارية رياديه تعتمد على هذه المادة، والمرحلة الثانية: إنشاء محطة معالجة للمياه العادمة لمحافظة الخليل، والتي من شأنها منع وصول هذه المياه للمحطة الاسرائيلية، ووضع حد للقرصنة الإسرائيلية باستقطاع ملايين الشواقل من المخصصات الفلسطينية، وتتيح الفرصة للاستفادة من المياه المعالجة في الزراعة والتي تستولي عليها اسرائيل حاليا بشكل كامل، واضاف الشويكي ان هذا المشروع جاهز في انتظار مباشرة العمل حيث تم تحديد الموقع وتجهيز المخططات والدراسات اللازمة، وتم تجنيد التمويل الكامل والمقدر ب62 مليون دولار من إحدى الجهات المانحة.