معا لنرسم فلسطين
محمد أبو فياض
نسج اللونان الأسود والأبيض السائدان في جدارية "معا لنرسم فلسطين" الجاثمة وسط مخيم العودة شرق مخيم البريج وسط قطاع غزة، برسم علاقة حميمية ومعقدة، لينجح الرسامان من خلالها تأكيد قدرتهما على بناء هيكل تنظيمي منطقي لألوان جدارية، تعبر عن أحلام وتطلعات وحرص شعب مهجّر، يعمل ويناضل من أجل العودة إلى أرضه.
ويستمتع الناظر إلى الجدارية بمفارقاتها الجميلة، للتناقض الكامل بين اللونين الأسود والأبيض.
وتبارى فنانون تشكيليون، اليوم الاثنين، لرسم الجدارية في مخيم العودة، ضمن فعاليات العودة، بمساحة 14 مترا مربعا، ساعين من وراء ذلك، إلى رسم صورة جميلة للقرى التي هُجِّر شعبنا منها قبل نحو سبعة عقود.
وطغى اللونان الأسود والأبيض، المختلفين في السطوع، على غيرهما من الألوان في الجدارية، للتدليل على الحالة المفصلية التي يعيشها شعبنا في المرحلة الحالية، فلا وجود فيها للرماديات.
وعكس اللونان الأبيض والأسود معاً داخل الجدارية، حالة التَحوُّل بل ولحظة الانتقال، والمرور من مرحلة إلى أخرى، خاصة وأنهما يُمثِّلان اللحظتين الأساسيَّتين في حياة الإنسان، لحظة ومرحلة الهجرة، ولحظة ومرحلة ورحلة العودة إلى الديار.
ورغم أن اللون الأسود الذي يتسم فنيا بافتقاره إلى أيّ درجةٍ من درجات السطوع، إلا أنه جاء في الجدارية، للتعبير عن نهاية مرحلة الهجرة واللجوء، وبداية رحلة ومرحلة العودة إلى الديار، لشعب اكتوى بنيران احتلال قاتل مجرم، جعل من العنصرية قرينة له، واحتراف التمييز، وامتهن النبذ بحق شعبنا المحتل، واتسم الاستهجان الدولي لتنكره بشرائع البشر الوضعية في جرائمه.
وحرصت الجدارية باللون الأسود إلى إيصال رسالة للعالم: "إن تربة فلسطين خصبة ومصدرا لنمو الحياة، وقادرة على إنبات الثوار لاستمرار النضال والعودة إلى الوطن".
أما اللون الأبيض، وهو من أكثر الألوان سطوعاً ووضوحاً في الجدارية، فقد جاء للتعبير عن النقاء والصفاء والوضوح، ويوحي بالسكينة والطمأنينة والسلام؛ وللتعبير للعالم عن سلمية مسيرة العودة، لهذا تمّ اختيار هذا لون كرمز للسلام والتفاؤل والسرور والحب.
وتتضمن الجدارية العديد من المواضيع التي تمس الحالة الفلسطينية الحالية، لكن بمضامين وقيم وطنية للتأكيد على دور القوى الناعمة ومن خلال نتاجاتها الثقافية، كونها كانت وما زالت ظهيرا للمشروع الوطني الفلسطيني.
وتتحدث الجدارية، وفق الأكاديمي والفنان التشكيلي شحدة ضرغام، عن فكرة العودة وجهود الجماهير لإنهاء مرحلة اللجوء وتدشين مرحلة العودة، مستثمرين الدور الفني للتعبير عن ذلك، كأحد أدوات التغير في المجتمعات.
وكان تعدد الخامات والألوان من سمات تنفيذ الجدارية، بغية إعطاء قيمة للوحة مضمونا وشكلا، ساعية إلى إبراز مضمونها بما تشتمله من عناصر ذات مضامين تراثية وموروثة شعبيا حاملة بعديها النضالي والكفاحي لمسيرة شعب يرزح تحت احتلال هو الأطول في التاريخ الحديث.
وشكلت الجدارية، وفق الفنان التشكيلي جميل القيق، صوتا جديدا ومكملا للشكل الحضاري للتظاهر السلمي الذي بات يتبعه شعبنا لمقاومة الاحتلال.
ويستنبط المتأمل والمتنقل بين ألوان وتعبيرات الجدارية، رسائل عدة توجهها الجدارية، خاصة تلك الرسالة المحافظة على حق العودة، والدالة على تمسك شعبنا بحقه في العودة إلى قراه التي هجر منها. ورسالة ثانية كانت بين جنبات الجدارية، وهي أنه لا مكان للغرباء على أرضنا، وعلى كل غريب مستوطن أرضنا الرحيل، والاستعداد للعودة من حيث أتى، فلا موضع ولا موطئ قدم له على ترابنا المقدس.