أم البنات في حياة الجنرال
هدى حبايب
بعد أن أنجبت أربع بنات أطلقوا عليها أم البنات، لم تنجب صبيا يحمل اسم والده، بكت طويلا، وحزنت كثيرا، وهم يعيّرونها "أنها لا تلد إلا البنات"، عرب وشرقيون وبدو في ثقافتهم، فالولد يحمل اسم أبيه، ويخلّد اسم القبيلة.
هذه مقدمة لأحد فصول رواية "مكان مؤقت"، عنوانه ابن رشيقة، للواء عدنان الضميري، فمن هي رشيقة؟..
هي بطلة الرواية أم الكاتب عدنان ضميري، رواية تتحدث عن سيرة الجنرال، المخيم والاعتقال.
ويشغل الضميري منصب المفوض السياسي العام والناطق الرسمي باسم المؤسسة الأمنية، الذي قال، "لم يكن ممكنا أن يصدر هذا الكتاب لو لم تكن البطلة رشيقة أبو هلال أمي".
وعودة إلى نص ابن رشيقة، "الذي يقول فيه.. فبعد دعاء ورجاء طويل إلى الله، تحولت الأم إلى شاعرة الأدعية، ترجو الله أن يرزقها ولدا ويكف عنها أذى نميمتهم، فهي تدعو ربها شعرا مقفى، ونثرا مسجوعا تلقائيا، دون معرفة ببحور الشعر والقوافي وضروب البلاغة.
حملت رشيقة، وظلت تدعو ربها إلى أن جاءها المخاض في مخيم طولكرم، الذي هجرت إليه وزوجها والد ضميري، بعد أن فقدا طفلتيهما في التهجير من القرية الجميلة على خد البحر المتوسط (الضمايرة)، جارة قيسارية الأثرية في منطقة حيفا.
كان أطلق على القرية اسم عرب الضميري أو ظهرة الضميري، لأن الضميري الأول أتى إليها في القرن السابع عشر من بلدة (الضمير) في سوريا شمال دمشق، أو عرب الضمور في الكرك الأردنية، وأسس فيها مزرعته وبستانه الجميل الذي لا يزال أهالي بلدة جسر الزرقاء على الساحل الفلسطيني في منطقة حيفا يطلقون عليه بستان الضميري.
طُردت رشيقة وزوجها وكل سكان القرية الجميلة من ظل أشجار الكينيا التي زرعها الجد هيكل، إلى ظل "الزينكو" في مخيم طولكرم لللاجئين.
وكان مئات الآلاف من الفلسطينيين طُردوا عام 1948، كنتيجة لا مفر منها للنكبة التي خيّمت على الشعب الفلسطيني.
وقال الضميري، "تخيلوا أم فلسطينية فلاحة من طولكرم، أصلها من قرية كفر زيباد إحدى قرى جنوب طولكرم، تزوجت عام 1943، أمي ووالدي رحمهما الله أنجبا بنتين في عامي 1943، 1944، وفي نيسان عام 48 طردوا إلى طولكرم".
المفارقة كما يراها ضميري أن الاحتلال وجه قصفه لمضخة مياه في طولكرم لحظة التهجير، إلا أن القذيفة سقطت في "حاكورة"، وهي قطعة أرض تحيط بالبيت، تعود لعائلة القص في الحي الغربي بجانب خضوري، فاستشهدت شقيقتاه وكان عمر الأولى 3 سنوات والأخرى عام ونصف، فرجعت أمي بلا خَلَف.
بعدها أنجبت رشيقة بنتين اثنتين، فما كان من قسوة المجتمع ألا أن يطلق عليها رشيقة أم البنات، إلى أن كان يوم الثالث من آب عام 1954، في المخيم، لتبشرها "الداية" أم محمد القانوني بأن المولود ولد.
إحساس الأم بقسوة محيطها ومعايرتها بأنها المسؤولة عن إنجاب البنات، ولدت لدى الكاتب مشاعر حب جياشة لأبنته الوحيدة "صمود" بين أربع صبيان، ويعتبرها بأنها الأهم بينهم، ويصفها بالجميلة الرائعة.
ويقول "من هنا جاءت كل الحكاية، وأنا فخور بأن أمي بطلة الكتاب".
وأضاف ما يبكيني عندما أتذكر أمي رشيقة بطلة كتابي، تكرار دعائها لي شعرا دون أن تعرف بحور الشعر، وسجعا دون أن تعيش فترة الهمذاني أو تعرفه.
"مكان مؤقت"، سيرة الجنرال، سيرة المخيم والاعتقال، حرص ضميري على توثيقها من كبار السن في المخيم لاستحضار تفاصيل الحياة فيه، وكيف كانت النساء يحضرن الماء إلى منازلهن على رؤوسهن ، وكيف ساهمن في العمل لبناء أسقف بيوت المخيم، وكيف كان الحمام الأسبوعي عذابا.
ويوم أمس الاثنين أطلق اللواء الضميري، كتابه "مكان مؤقت"، من جامعة خضوري في مدينة طولكرم، بحضور شخصيات رسمية وشعبية.