الرئيس بمؤتمر بيت المقدس: شعبنا يواجه مؤامرة تستهدف قضيته وحقوقه وعاصمته المقدسة
- فلسطين والأردن شعب واحد في دولتين ولن نقبل بالوطن البديل
- كفاحنا لن يتوقف في سبيل حماية أرضنا وقدسنا
- جدد الدعوة لعقد مؤتمر دولي يقر آلية دولية لرعاية أية مفاوضات مستقبلية
- لن ننتظر من الإدارة الاميركية شيئا ولن نقبل منها شيئا
- التواصل مع القدس وأهلها يدعم هويتها ويكسر الحصار المفروض عليها
القدس عاصمة فلسطين- أكد رئيس دولة فلسطين محمود عباس، أن شعبنا يقف في مواجهة مؤامرة كبرى تستهدف قضيته وحقوقه وعاصمته المقدسة، وأن كفاحنا لن يتوقف في سبيل حماية حقنا وأرضنا وقدسنا وشعبنا.
وجدد سيادته في كلمته بمؤتمر بيت المقدس الإسلامي الدولي التاسع، بمقر الرئاسة في مدينة رام الله، مساء اليوم الأربعاء، الدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام على أساس قرارات الشرعية الدولية يقر آلية دولية متعددة، لرعاية أية مفاوضات مستقبلية وعملية السلام بشكل عام.
وقال الرئيس: إن شعبنا يقف في مواجهة مؤامرة مضى على بدايتها أكثر من مئة عام، وصولا إلى إعلان الخطيئة للرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي أدعى فيه أن القدس عاصمة لإسرائيل.
وأضاف سيادته: نرفض ومعنا كل العرب والمسلمين والمسيحيين هذا الاعلان المنحاز للاحتلال والعدوان الإسرائيلي.
وأكد الرئيس أن القدس عاصمة دولة فلسطين الأبدية، وستبقى إلى الأبد، وشدد على أن التواصل مع القدس وأهلها يدعم هويتها العربية والإسلامية، ويكسر الحصار الذي يحاول الاحتلال فرضه عليها، وليس تطبيعا مع الاحتلال أو اعترافا بشرعيته المزعومة.
وجدد سيادته التأكيد على ما قاله أمام مؤتمر الأزهر الشريف مطلع العام الجاري: "لم يولد بعد، ولن يولد أبدا الفلسطيني أو العربي أو المسلم أو المسيحي الذي يمكن أن يساوم على القدس، أو يفرط بذرة من ترابها، أو يتهاون في قيمتها ومكانتها الدينية والتاريخية، فلا معنى لفلسطين من دون القدس، ولا معنى للقدس من دون مقدساتها الإسلامية والمسيحية، وستبقى عاصمة فلسطين الأبدية.
وفيما يلي نص كلمة الرئيس:
أقول قبل أن أبدأ كلمتي إن هذا الشهر شهر مبارك لأنه جمع الأعياد الثلاثة لطوائف الشعب الفلسطيني، فهناك عيد الفصح المجيد للطوائف المسيحية نتقدم بالتهنئة والتبريك لهم جميعا، وهناك عيد الإسراء والمعراج لكل المسلمين، وعيد القربان للطائفة السامرية، الاخوة الذين يعيشون معنا وفي حياتنا جنبا إلى جنب كجزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، فالتهاني للجميع.
وبهذه المناسبة، وبوجودي إلى جانب أخي طاهر المصري، أريد أن أرد على بعض الأقويل التي تأتينا من الغرب وتتحدث عن الوطن البديل، لأقول لهم نحن هنا في فلسطين والأردن شعب واحد بدولتين، المملكة الأردنية الهاشمية، ودولة فلسطين، وليموتوا بغيظهم.
بسم الله الرحمن الرحيم
"سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير" صدق الله العظيم.
أيها الإخوة والأخوات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وأهلاً وسهلاً بكم جميعاً على أرض فلسطين، أرض الأنبياء والمرسلين، أهلاً بكم في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، أهلاً بالإخوة والأصدقاء ضيوف فلسطين الأعزاء من الدول الشقيقة والصديقة، وكم يسعدنا حضوركم إلى أرضنا المقدسة المباركة،
لكي تؤكدوا بحضوركم ومشاركتكم في مؤتمر بيت المقدس، أنكم تقفون مع الشعب الفلسطيني في نضاله المشروع للتخلص من الاحتلال الإسرائيلي، ونيل الحرية والاستقلال وإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، مدينة السلام والمحبة والتاريخ، درة تاج فلسطين، وزهرة مدائنها، وقلبها النابض بالحياة، أولى القبلتين، وثاني المسجدين، وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومهد ورفعة سيدنا المسيح عليه السلام، وأرض النبوة والصلاح والرباط.
مجيئكم إلى هنا يؤكد موقفكم الدائم مع الشعب الفلسطيني، ولكن عندما تكونون معنا هنا يكون لهذا معنى آخر تماما، تتحدون الحواجز التي منعت بعضا منكم من الوصول، لكنها ستزول ليصل الجمع إلى بيت المقدس بإذن الله.
أيها السيدات والسادة..
حين نقول إن القدس هي عاصمة فلسطين الأبدية فنحن لا نأتي بأمر جديد، بل هو الحق والتاريخ الذي لا يمارى فيه، فقبل ما يزيد عن خمسة آلاف عام، بنى أجدادنا اليبوسيون الكنعانيون مدينة القدس لتكون عاصمة لهم، وأعطوها اسمهم "يبوس" تقديراً لها واعتزازاً بها، ثم لقبوها "أورسالم" أي مدينة السلام باللغة الكنعانية القديمة، ومنذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا، لم ينقطع الوجود العربي والفلسطيني عن مدينة القدس، باعتبارنا أحفاد الكنعانيين، بل وأكرمها الله بميلاد المسيح وإسراء الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، الذي بشر أهلها المرابطين فيها وفي أكنافها بأنهم سيظلون إلى يوم القيامة على الحق ظاهرين ولعدوهم قاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم أو اعتدى عليهم، حتى يأتيهم أمر الله.
وبهذه المناسبة أيها الأخوة والاخوات أؤكد لكم أن هذا الكلام ورد في التوراة، فهي أكدت أن الكنعانيين موجودون في هذه البلاد قبل سيدنا إبراهيم ولم ينقطع وجودهم منذ خمسة آلاف عام، ثم يقول البعض هذه لنا وهذه أرضنا، لا ليست أرضهم.
وهم كذلك، يواصلون رباطهم وصمودهم، ويحملون رسالة السلام والمحبة والإنسانية، ومن خلفهم كل العرب والمسلمين والمسيحيين وأحرار العالم.
اليوم أيها الأصدقاء.. أيها الأشقاء .. أيها الأعزاء..
يقف الشعب الفلسطيني في خضم تحديات كبرى، وفي مواجهة مؤامرة كبرى تستهدف قضيته وحقوقه وعاصمته المقدسة، مؤامرة مضى على بدايتها السوداء أكثر من مئة عام، منذ وعد بلفور المشؤوم الذي أعطاه من لا يملك لمن لا يستحق، وكان من فصولها احتلال إسرائيل للقدس عام 1967، تم محاولتها تغيير الوضع التاريخي والقانوني للمقدسات في 14/7/2017، فيما عرف بمعركة البوابات الالكترونية، التي تصدى لها شعبنا الفلسطيني بكل بسالة، وتحدى فيها غطرسة الاحتلال بالمقاومة الشعبية السلمية، التي تلاحمت فيها جماهير شعبنا من المسلمين والمسيحيين في مشهد مهيب تجسدت فيه وحدتنا الوطنية دفاعاً عن مقدساتنا، قبل أن يخرج علينا الرئيس الأمريكي بإعلان الخطيئة التي ادعى أن القدس عاصمة لإسرائيل، متحدياً بذلك عقيدة ومشاعر مئات الملايين من المسلمين والمسيحيين، ومخالفاً للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
في 14-7، أريد أن أذكركم بشيء، عندما لم يستطع المسلمون أن يدخلوا إلى المسجد، كانوا يصلون خارجه، مسلمين ومسيحيين، هذا يحمل الإنجيل، وذلك يحمل القرآن، هذا نحن هذا الشعب الفلسطيني.
ولذلك فإننا ندعو إلى عقد مؤتمر دولي للسلام على أساس قرارات الشرعية الدولية يقر آلية دولية متعددة، لرعاية أية مفاوضات مستقبلية وعملية السلام بشكل عام.
نحن عندما أعلن الأميركان هذا الكلام وقالوا إن القدس خارج الطاولة وإن اللاجئين خارج الطاولة ولم يعترفوا برؤية الدولتين، ثم يتحدثون عن صفقة العصر، لا أدري ما هي صفقة العصر، عندما أخرجوا هذه القضايا خارج الطاولة؟! نحن بصراحة لن ننتظر منهم شيئا ولن نقبل منهم شيئا، وبما أن أميركا انحازت بهذا الشكل الفاضح لإسرائيل، فإنها لم يعد بإمكانها أن تكون وسيطا، لأن أبسط ما يكون في الوسيط هو النزاهة، وهنا النزاهة مفقودة، لذا قلنا لا بد من وساطة جماعية تأتي من خلال مؤتمر دولي تتبناه الشرعية الدولية للتوسط بيننا وبين الإسرائيليين، وهذا ما طالبنا به، وهذا ما سيكون، إن شاء الله هذا سيكون أحد أهم قرارات القمة العربية المزمع عقدها.
الكونغرس الاميركي يعتبر منظمة التحرير الفلسطينية إرهابية رغم أننا أكثر دول العالم التي تحارب الإرهاب، ولدينا 83 بروتوكولا مع 83 دولة لمحاربة الإرهاب، كيف نحارب الإرهاب والكونغرس يسمينا إرهابيين؟ لذلك نطالب الإدارة الأميركية بتوضيح ذلك. الكونغرس يقول ذلك، والأمن الأميركي والإدارة الأميركية يتحدثون عكس ذلك، نحن نطالب أن يثبت أننا إرهابيون رغم أننا نحارب الإرهاب أكثر منهم.
لم تقف الانتهاكات الإسرائيلية العدوانية عند استهداف المسجد الأقصى المبارك فحسب، بل لقد طالت هذه الانتهاكات الهمجية المقدسات المسيحية أيضاً، حتى وصل الأمر إلى اضطرار الطوائف المسيحية في القدس إلى إغلاق كنيسة القيامة احتجاجاً على محاولات سلطة الاحتلال فرض ضرائب عدوانية عنصرية على أملاك الكنائس وأوقافها الدينية - يريدون تهجير المسيحيين- وهي الكنيسة التاريخية التي ظلت أبوابها مشرعةً أمام روادها منذ الفتح الإسلامي إلى يومنا هذا، في ظل التلاحم الإسلامي المسيحي في فلسطين الواحدة التي لا تقبل القسمة، هذا التلاحم الذي تجسد أيضاً في الدفاع عن الكنيسة، كما تجسد من قبل في الدفاع عن المسجد.
المسيحيون والمسلمون دافعوا عن الاقصى عندما حاول الاحتلال الاعتداء عليه، وعندما اعتدوا على كنيسة القيامة اجتمع المسيحيون والمسلمون ودافعوا عن الكنيسة، وهذا يدل على أن تلاحمنا سيؤدي بنا إلى النصر إن شاء الله.
لقد رفضنا ومعنا كل العرب والمسلمين والمسحيين هذا القرار الأمريكي المنحاز للاحتلال والعدوان الإسرائيلي، وتحركنا شرقاً وغرباً لمواجهة آثاره الكارثية على الأمن والسلام العالميين، ولن يتوقف كفاحنا الأخلاقي في سبيل حماية حقنا وأرضنا وقدسنا وشعبنا، هذا الشعب العظيم الذي يسطر بمقاومته الشعبية السلمية في القدس وقطاع غزة والضفة الغربية تاريخاً مشرفاً، في الحقيقة الشعب هب هبة واحدة، ليس فقط في القدس وفي غزة وفي الضفة، وإنما كل الشعب الفلسطيني هب هبة واحدة دفاعا عن حقوقه ومقدساته الدينية الإسلامية والمسيحية، رغم الهمجية التي يواجهه بها الاحتلال الإسرائيلي الذي يطلق الرصاص الحي على المتظاهرين السلميين، وقد سقط نتيجة هذا العدوان الهمجي أكثر من ثلاثين شهيداً في أسبوع واحد، وما يزيد عن ثلاثة آلاف جريح.
الناس تتظاهر على مسافات بعيدة وتهتف هتافات لا أكثر ولا أقل، وليس بيدها شيء، وهم بعيدون كل البعد، استعمل الإسرائيليون القناصة لبعدهم عن المتظاهرين من أجل قتلهم، أطلقوا النار على شخص يصلي وآخر يركض، رغم انهما لم يحملا رصاصة واحدة، حتى إخواننا في حماس بدأوا يتبنون المقاومة الشعبية السلمية، وأنا أهنئهم أنهم استفاقوا وثبت لهم أن المقاومة الشعبية السلمية فعالة أكثر.
من أجل القدس انطلق النضال الفلسطيني الطويل، ومن أجل القدس قبلنا بالشرعية الدولية والسلام، ومن أجل القدس أوقفنا اتصالاتنا السياسية مع أمريكا حين اعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل، واغلقت مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وأوقفنا الاتصالات، لماذا نتصل بعد فعل كل هذا.
ومن أجل القدس نلتقي بكم هنا اليوم لنقول وإياكم، وبصوت واحد يشاركنا فيه كل محبي السلام والعدل في العالم يشاركوننا هذا الكلام: القدس عاصمة دولة فلسطين الأبدية، كانت كذلك، وما زالت، وستبقى إلى الأبد.
القدس لنا .. هي عاصمتنا السياسية والروحية، وهي مهوى قلوب وأفئدة مئات الملايين من المسلمين والمسيحيين، وإن التواصل معها ومع أهلها هو دعم أكيد لهويتها العربية والإسلامية، وليس تطبيعاً مع الاحتلال أو اعترافاً بشرعيته.
مجيئكم إلى هنا ليس تطبيعا مع الاحتلال، أنتم تزورون السجين وليس السجان، وهذه الحجة السخيفة التي تتذرع بها بعض الجهات في العالمين الإسلامي والعربي، أقول لهم كفى، إن مُنعوا مرة سيدخلون في مرات أخرى، عليكم أيها العرب والمسلمون والمسيحيون أن تقفوا إلى جانبنا وتدعمونا وتساعدونا، القدس بأهلها وليست بحجارتها، وهم يريدون أن يرحلوهم جميعا، ما هو موقف الأشقاء؟ وكما قال بعض السفهاء: ماذا تعني القدس هي مكة؟. أقول لهم: مكة مهمة والقدس مهمة، وهي أولى القبلتين وثاني المسجدين، مسجدنا بني قبل المسجد في المدينة المنورة.
وإنكم اليوم، ضيوفنا الأعزاء، وبحضوركم الكثيف إلى أرضنا وقدسنا إنما تكسرون الحصار الذي يحاول الاحتلال فرضه على القدس والشعب الفلسطيني، فزيارة السجين ليست تطبيعاً مع السجان أو اعترافاً بشرعيته المزعومة. لا تتركونا وحدنا سنندم جميعا، ولكن الله وعدنا، "فإذا جاء وعد الآخرة...".
وفي الختام أقول لكم أيها الأعزاء ما سبق أن قلته أمام مؤتمر الأزهر الشريف في مطلع هذا العام : لم يولد بعد، ولن يولد أبداً الفلسطيني أو العربي أو المسلم أو المسيحي الذي يمكن أن يساوم على القدس، أو يفرط بذرة من ترابها، أو يتهاون في قيمتها ومكانتها الدينية والتاريخية، فلا معنى لفلسطين من دون القدس، ولا معنى للقدس من دون مقدساتها الإسلامية والمسيحية -مفاتيح كنيسة القيامة مع عائلة مسلمة، وهو دليل الوحدة الوطنية، منذ أن فتحها عمر بن الخطاب إلى يومنا هذا، وستبقى هذه الوحدة مع إخواننا السامريين أيضا- وسوف تبقى بأهلها المرابطين عاصمة فلسطين الأبدية.
"يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون" صدق الله العظيم.