عوض : نتائج التعداد تستدعي تدخلات وسياسات بعيدة المدى
جعفر صدقة
لا مفاجآت في نتائج التعداد الثالث للسكان والمساكن والمنشآت، الذي نفذ أواخر العام الماضي، لكن بعض الأرقام التي أعلنها الجهاز المركزي للإحصاء، أظهرت تطورا إيجابيا يستدعي التعزيز وأخرى سلبية، وربما خطرة، تظهر حاجة ملحة للتحرك سريعا بوضع سياسات بعيدة المدى، وتدخلات عاجلة لمواجهتها.
في الجانب الإيجابي، فإن الأمية في المجتمع الفلسطيني تكاد تختفي، لتصل النسبة وفقا لنتائج التعداد إلى أقل من 3.5%، فيما اختفت ظاهرة عمالة الأطفال تماما ووصلت نسبتها إلى الصفر، وهو من أبرز مؤشرات التنمية المستدامة بحسب رئيسة الجهاز المركزي للإحصاء علا عوض.
وفي هذا الجانب أيضا، فإن نسبة الزواج المبكر للإناث تراجعت إلى 11% في تعداد 2017، هو أقل بفارق ملحوظ عن نتائج تعداد عام 2007، وبين التعدادين أيضا، انخفض معدل الإنجاب للنساء القادرات على الإنجاب من سبعة مواليد إلى خمسة، مع فارق في المعدل بين الضفة الغربية وقطاع غزة (في غزة أعلى) "وهو أيضا تطور إيجابي" قالت عوض.
وكذلك، فإن التحصيل العلمي في ارتفاع، مع تفوق كبير للإناث على الذكور، فيما بلغت نسبة المؤمنين صحيا في عموم الأراضي الفلسطينية 65%، ترتفع في قطاع غزة إلى 90% نتيجة قرار الرئيس بتغطية كل أبناء القطاع بالتأمين الصحي مجانا.
وفي المقابل، فإن في بعض النتائج دق لناقوس الخطر، وهي في العموم تكاد تتفرع جميعها من أصل واحد. ارتفاع معدل البطالة إذ بلغ وفقا لنتائج التعداد 26% في عموم الأراضي الفلسطينية، يرتفع في غزة إلى 46%.
وقالت عوض لـ"وفا"، "من خلال المسوح الدورية، لم يكن لدى جهاز الإحصاء مؤشرات مفاجئة في نتائج التعداد، لكننا حصلنا على مؤشرات أكثر تفصيلية، ما يمكن من وضع سياسات أكثر رشدا، وتدخلات أكثر فاعلية".
البطالة تتركز بين الشباب والخريجين
وفي التفاصيل، فإن البطالة تتركز بين الفئة الشابة، وأيضا بين خريجي المعاهد المتوسطة والجامعات، ما يتطلب إعادة النظر في منظومة التعليم برمتها، لجهة تعزيز التعليم التقني والمهني، وهو على كل حال المنحى الذي بدأت السياسات الحكومية في هذا المجال تأخذه منذ نحو سنتين، باستحداث العديد من التخصصات المهنية في المدارس، وإدخال التعليم الرقمي إليها، وأيضا وضع كل مراكز ومعاهد التعليم التقني والمهني تحت مرجعية واحدة هي وزارة التربية والتعليم العالي.
70% تحت ثلاثين عاما
أبرز النتائج التي كشف عنها التعداد، فتوة المجتمع الفلسطيني، إذ أن 70% من السكان تحت سن الثلاثين عاما، و47% تحت سن 18 عاما، واستنادا إلى معدلات الخصوبة والولادات والوفيات، "فإن هذا الحال مرشح للبقاء على ما هو عليه لثلاثين عاما على الأقل، ما يشكل التزاما كبيرا على الحكومة في تأهيل هذه الفئة"، قالت عوض.
وأضافت: "تركز البطالة بين الشباب والخريجين يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف. المشكلة ليست مشكلة وزارة بعينها، وإنما يجب أن تكون هناك توجهات لجميع المؤسسات، الحكومية والخاصة، تعطي رؤى واضحة للمستقبل حول اتجاهات القطاعات المختلفة".
وتابعت: "هيكلية الاقتصاد الفلسطيني أظهرت أنه ما يزال اقتصاد خدمات، وهذا لن يساعد على استيعاب العمالة المتزايدة. 18% من المنشآت الاقتصادية ذات طابع انتاجي، وبقدر ما يظهر ذلك ضعفا في الاقتصاد، فإنه يظهر الفرص الكامنة للاستثمار في الأنشطة الانتاجية كالزراعة والصناعة، وأيضا التكنولوجيا الذي يعد قطاعا منتجا. هذه القطاعات هي الأكثر استيعابا للعمالة، لهذا يجب التركيز عليها".
وفيما يخص المرأة، بقي معدل مشاركتها في سوق العمل على حاله تقريبا عند 18% فقط، وأوضحت عوض "أن دور المرأة في التنمية ما زال محدودا. هناك محددات كبيرة أمام دخول المرأة إلى سوق العمل، جزء منها يعود إلى أن سوق العمل نفسه غير مولد للفرص، ومع ذلك، فقد ثبت أن هناك احتياجات كثيرة لسوق العمل نحن لم نستوف شروطها ومتطلباتها".
250 ألفا ذوي إعاقات
وفي جانب آخر، أحد المؤشرات السلبية التي كشف عنها التعداد، وجود 250 ألف شخص يعانون من إعاقة واحدة على الأقل، في الحركة أو البصر أو النطق أو ضعف التركيز أو خلافه، من بينهم 35 ألفا في المرحلة الأساسية من التعليم، قالت عوض إن 17% منهم لم يتم دمجهم في العملية التعليمية، ناهيك عن أن أكثر من 70% من ذوي الإعاقة عاطلون عن العمل، ما يستدعي تفعيل السياسات والتدخلات القائمة، واستحداث تدخلات جديدة لدمجهم في جوانب الحياة المختلفة، العملية والتعليمية.
158 ألف وحدة سكنية فارغة
نتائج تعداد 2017 كشفت أيضا خللا كبيرا في قطاع الإسكان، إذ بينما عشرات آلاف الأسر تساكن بعضها بعضا (عدة أسر في بيت واحد)، لعدم قدرتها على توفير ثمن بيت مستقل في ظل الارتفاع الكبير بأسعار العقارات، فإن هناك 158 ألف وحدة جاهزة للسكن، لكنها خالية ومغلقة، 70% منها في الضفة الغربية و30% في قطاع غزة.
وقالت عوض: "هذه من المؤشرات المهمة التي تستدعي التوقف عندها، خاصة في ظل الطلب المتزايد على الوحدات السكنية والأسعار المرتفعة. هذه النتائج لا تتناسب مع حجم الطلب والاحتياجات والأسعار، وهذا بحاجة إلى دراسة تفصيلية للوقوف على الأسباب ووضع الحلول المناسبة".
مفاجأة في لبنان
إحدى مهام الجهاز المركزي للإحصاء، جمع البيانات عن الفلسطينيين أينما كانوا، وليس فقط داخل الأراضي الفلسطينية، وفي هذا الإطار تزامن تعداد 2017 مع مشروع جمع بينات عن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لأول مرة منذ عام 1932، ونفذ المشروع باتفاق بين الحكومتين الفلسطينية واللبنانية، وكانت المفاجأة أن تعداد الفلسطينيين يبلغ 176 ألفا فقط، وهو أقل بكثير من المعطيات التي اعتدنا عليها لسنوات طويلة، والتي تراوحت بين 300 ألف ونصف مليون فلسطيني.
وقالت عوض "التعداد يعكس الواقع على الأرض، وهو أدق من السجلات الإدارية".