"الوعي" سبيل الحد من الانتحار
بدوية السامري
حاولت الفتاة (ن.أ) الانتحار ثلاث مرات بطرق عدة خلال عشر سنوات من حياتها، وفي كل مرة كانت الأسباب، التي تدفعها لذلك مختلفة.
محاولات الانتحار الثلاث لم تسجل لدى أي مركز شرطة، كما الكثير من الحالات المشابهة، التي يتستر الأهالي عليها، خوفا من ردة فعل المجتمع، كي لا يوصموا بالعار.
ولم يدرك الأهل خلال أول مرتين عندما كانت الفتاة (ن.أ) قاصرا، مدى أهمية متابعة ابنتهم نفسياً كي لا تحاول مرة اخرى الانتحار، حتى أنهم لم يلجؤوا إلى عرضها على أختصاصيين نفسيين، خاصة أنها كانت بعمر 15 عاما عندما حاولت الانتحار لأول مرة.
وقالت رئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة د. سماح جبر، في حديث خاص لـ"وفا"، أن زيادة الوعي لدى المجتمع؛ يعد من أهم السبل للحد من الانتحار.
وأضافت: إن من يحاول الانتحار مرة واحدة في حياته، معرض لتكرار المحاولة، اذا لم يتم التدخل من قبل الاختصاصيين النفسيين لمعالجة حالته، كما أن أي تهديد يصدر من قبل الأشخاص بالانتحار يجب أن ينظر له على محمل الجد، لأن معظم من يقدمون على الانتحار، يكونون قد صرحوا في وقت سابق لأحد الأشخاص أنهم سيفعلون ذلك.
وعن محاولة الفتاة (ن.أ) الانتحار، قالت الاختصاصية جبر: "بعد أن أصبحت الفتاة بعمر تستطيع فيه التفكير جيدا أدركت أن ما فعلته لا يجب السكوت عليه، فقررت الذهاب فورا لأقرب مركز صحة نفسية في منطقتها، لمتابعة الأمر مع اختصاصيين".
وحثت جبر الأهالي أو أي شخص تراوده أفكار من هذا القبيل التوجه مباشرة إلى مراكز الصحة النفسية الحكومية، البالغ عددها 14 مركزا موزعة في انحاء الضفة، والحصول على الرعاية اللازمة مجانا، حسب قرار أصدره وزير الصحة.
وأكدت أن غالبية من ينفذون الانتحار أو يحاولون ذلك، كانوا يعانون من مرض نفسي ولم يتم معالجته ومتابعته كما يجب.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن نحو 800 ألف شخص يلقون حتفهم سنويا منتحرين، ويعتبر الانتحار ثاني أهم سبب للوفاة بين من تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاما، وتستأثر البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل بنحو 78% من حالات الانتحار في العالم.
ويعتبر تناول المبيدات والشنق والأسلحة النارية من بين الأساليب الأكثر شيوعا للانتحار على مستوى العالم، وفق المنظمة ذاتها.
وأوضحت جبر أن ما يكشف عنه من انتحار أو محاولة، هو جزء بسيط جدا من الحالات الموجود في المجتمع، ويتم التغطية عليه على أساس أنه حادث سير، أو حادث منزلي غير مقصود.
منذ بداية عام 2018 سجلت الشرطة الفلسطينية 5 حالات انتحار، وحالتين اضافيتين لم ينته التحقيق فيهما، ولم تسجلا على أنهما حالتا انتحار بعد، حسب ما أفاد به الناطق باسم الشرطة المقدم لؤي ارزيقات، لوكالة "وفا".
واكد ارزيقات أنه خلال عام 2017 سجلت الشرطة 22 حالة انتحار، بينها 14 حالة من الذكور، و8 حالات من الاناث، فيما سجلت خلال العامين 2016، و2015 ثماني عشرة حالة، في كل منهما.
الوقاية من الانتحار لم يعالج بشكل كاف؛ بسبب ضعف الوعي بالانتحار كمشكلة صحة عمومية رئيسية ولكونه من المحظورات في كثير من المجتمعات، ما يحول دون مناقشته علنا، فحتى الآن، لم يقم سوى عدد قليل من البلدان بإدراج الوقاية من الانتحار ضمن أولوياتها الصحية، ولم يذكر سوى 28 بلدا فقط وجود استراتيجية وطنية للوقاية من الانتحار، بحسب منظمة الصحة العالمية.
في فلسطين، بدأ العمل على خطة وطنية للحد والوقاية من الانتحار، وصدرت بعض التعليمات من جهات الاختصاص في هذا الاتجاه، ومنها تعميم من وزارة الصحة لكافة المستشفيات، يوجب تبليغ الوزارة والطبيب النفسي المعالج في المنطقة بوقوع محاولة الانتحار، حسبما اكدت جبر.
وقالت: إن مراكز الصحة النفسية الحكومية وغير الحكومية تعمل بتعاون وثيق؛ لتنسيق استراتيجية وطنية فيها، إضافة الى تعاونها مع التربية والتعليم والداخلية والوزارات الأخرى، والجهات الاعلامية، فالصحة النفسية ليست مسؤولية وزارة الصحة فحسب، بل المجتمع بكل مكوناته.
وأضافت أنه يتم حاليا تدريب عدد كبير من الأطباء العاملين والممرضين في المستشفيات، على تمييز محاولات الانتحار التي تصلهم، ومحاولة اتخاذ الاجراءات اللازمة والتواصل مع الأهل بطريقة مقنعة.
وأوضحت أن هناك قلة في عدد الأطباء النفسيين في الضفة الغربية مقارنة مع عدد السكان، حيث يبلغ عددهم 22 طبيبا، وفي قطاع غزة 10