مواليد بين الاعتقال
زهران معالي
بين الاعتقال الأول والرابع للأسير قتيبة مسلّم، تختفي حكاية خمسة أطفال كبروا في أحضان زوجة كانت الأب والأم معا، طوال 22 عاما غاب فيها الزوج قسرا عن زواج بدأ قبل 28 عاما، وعائلة لم يلتئم شملها على الفرح لمرة واحدة.
يصادف يوم غد الثلاثاء، يوم الأسير الفلسطيني، الذي أقره المجلس الوطني خلال دورته العادية يوم السابع عشر من نيسان/ إبريل عام 1974، ويحيي أبناء شعبنا في فلسطين والشتات هذه المناسبة سنويًا بوسائل وأشكال متعددة.
الأسير مسلّم أحد أقدم أسرى محافظة نابلس، من قرية تلفيت جنوبا، أمضى (28 عاما) من سنين عمره البالغ (49 عاما) في سجون الاحتلال خلال فترات اعتقاله الأربع.
اعتقل مسلّم أول مرة عام 1984، وأمضى حكما لخمس سنوات، واعتقل إداريا عام 1990 لمدة ستة أشهر، فيما اعتقل عام 1992 وأمضى أربع سنوات أخرى، ويقبع منذ عام 2000 في سجن جلبوع، ويقضي حكما بالسجن لمدة 37 عاما.
يقول جبر (18 عاما) الابن الأصغر لمسلّم، الذي وُلد بعد شهرين من اعتقال والده لـ"وفا"، "لم أشاهده إلا من خلف الزجاج، والدي لم يحضنني منذ 18 عاما".
وتسمح سلطات الاحتلال لجبر وأشقائه حمدي ويعقوب ومشعل بزيارة والدهم مرة واحدة خلال العام، فيما تحرم أخاهم غير الشقيق صائب من الزيارة منذ ثلاثة أعوام بحجة الرفض الأمني.
"فترات طويلة حتى أحصل على تصريح لزيارته، مشتاق لوالدي كثيرا، افتقده بكل اللحظات" قال جبر.
ولعل الزفاف أكثر اللحظات التي يتمنى فيها العريس وجود والده فيها، إلا أن أبناء الأسير مسلّم الثلاثة حمدي ومشعل ويعقوب، حرموا هذه اللحظات، فيما يخشى جبر وصائب أن يسلب الاحتلال لحظات فرحهما أيضا.
"عندما سجن والدي كان عمري 8 سنوات، حرمنا الاحتلال منه، واعتقل عمي صالح وعمي نسيم، عشنا وحيدين بدون أب"، قال مشعل (26 عاما) بينما كان يحتضن طفلته فادية (20 يوما).
"حاول أعمامي قدر الإمكان منحنا حنان الأب، الذي حرمنا الاحتلال منه، لكن لا شيء يعوض حضن والدي"، يتابع مشعل.
أصعب اللحظات التي عانى مشعل فراق الأب فيها كانت يوم زفافه، فتبدلت مشاعر الفرح والسرور في حفل الزفاف، لحزن على فراق الأحبة قسرا، يؤكد مشعل.
الرضيعة فادية وشقيقتاها وأبناء عمها الثلاثة لا يعرفون جدهم إلا عبر الصور، فالاحتلال يحرم الأحفاد من زيارة الأجداد خلف القضبان.
ولا يختلف حال المرارة والألم بين أبناء مسلّم، فيعقوب الابن الأوسط (24 عاما) كان طلب الزواج وقراءة الفاتحة لزواجه من ابنة الأسير قاسم مسلّم خلف قضبان سجن جلبوع، حيث تقدم والده لخطبتها من والدها المسجون منذ 18 عاما، واستكملت إجراءات الزفاف في القرية دون حضور كلا الأبوين.
ولأم الأسير مسلّم "خضرة" و "زوجته" فادية، فصول أخرى من المعاناة بين مرارة الفراق القسري وعذاب التنقل عبر المعابر للزيارات، وحمل تربية خمسة أبناء حرموا من والدهم كان حمدي أكبرهم (9 أعوام).
وتضيف الحاجة خضرة: "28 عاما من عمري البالغ (74 عاما) قضيتها بالمعاناة بسبب الاحتلال الإسرائيلي، منها خمس سنوات حرموني من أولادي الثلاثة: نسيم وقتيبة وصالح.
وتشير أم نسيم إلى أحفاد قتيبة الستة وأبناء إخوته، قائلة: "كل هؤلاء لم يشاهدوه، أولاده حرمه الاحتلال منهم، زهرة شبابه أمضاها في الأسر".
"كل أربعة شهور أزوره مرة نظرا لوضعي الصحي، نتوجه منذ الرابعة صباحا لزيارته، تنطلق الحافلة من نابلس إلى المعابر، كان سابقا تفتيش بسيط، لكن اليوم معاناة لا توصف، نضطر أحيانا لخلع ملابسنا خلال التفتيش، لزيارته لمدة لا تتجاوز 45 دقيقة فقط".
ومن المواقف الصعبة التي تشهدها أم نسيم خلال زيارات نجلها برفقة قريبتها أم الأسير قاسم مسلّم، أن الأخيرة كانت تردد باستمرار "بدنا نبقى عايشين حتى يطلعوا؟"، فماتت أم قاسم بعد آخر زيارة بيومين لكن بقي نجلها خلف القضبان.
عام 2014 كانت أصعب اللحظات لدى عائلة الأسير مسلّم، فلم تقوَ عائلته على إخباره بوفاة والده محمد صالح مسلّم (71 عاما)، إلا بعد 40 يوما، نتيجة توقف زيارات العائلة، إثر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وتقول فادية "أم حمدي"، إن زوجها اعتقل بعد إنجابهما طفلهما الأول حمدي، وأمضى 6 شهور في الاعتقال الإداري، فيما كان الاعتقال الثاني عندما كانت تحمل بولدها مشعل، وأمضى 4 سنوات، فيما كان الاعتقال الأخير قبل شهرين من ميلاد طفله الأخير جبر.
"قمت بدور الأب والأم، كبر الأولاد وتزوجوا وبنوا، أكبر أبنائي حمدي كان 9 سنوات، وجبر لم يولد بعد، لكن الصغير اليوم بات 18 عاما". تضيف الأم.
تحمل أم حمدي صورة جمعتها قبل ثلاثة شهور بزوجها خلف القضبان لأول مرة منذ اعتقاله قبل 18 عاما، "حضنته لأول مرة منذ اعتقاله، فقط لحظات قليلة، كأن اللقاء أعاد لي الحياة للحظة، فرحت وعدت للبيت اشتم رائحة المنديل، التي علقت رائحة قتيبة به"، قالت زوجة الأسير.
ووفق هيئة شؤون الأسرى والمحررين، فإن نحو 6500 أسير يقبعون في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بينهم 350 طفلا، وستة نواب، و500 معتقل إداري، و1800 مريض، بينهم 700 بحاجة إلى تدخل علاجي عاجل.