مسنون في السجون
جويد التميمي
"شيخوخة، وسوء تغذية، وعزل، وحرمان، وفقدان للبصر، وعذابات مختلفة.. وأكثر من ذلك، أجساد ينهشها المرض" جُلها تلازم مئات الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي، حيث يزاول السجانون وعلى مدار الساعة صنوفا من القهر والإذلال بحقهم.
صدقي الزرو التميمي، في العقد السابع من عمره، واحد من هؤلاء الأسرى.
تشكل عذابات "البوسطة"، والحرمان من الزيارات أحيانا، أو التقاط صورة مع الأحفاد، معاناة إضافية أخرى لأهالي وذوي المعتقلين والأسرى أنفسهم، لا سيما المسنين منهم والمعلقين على "خيط أمل" بالانعتاق من ظلمة السجن، وظلم السجان، وتنسم هواء الحرية.
الأسير المسن صدقي التميمي، اعتقلته قوات الاحتلال قبل نحو ستة عشر عاما، (16-8-2002)، وحكمت عليه بالسجن 35 عاما، وقد تزوج أبناؤه، وتوفي والده وهو داخل السجن.
"على مدى 16 عاما قضاها شقيقي في غياهب السجون، لم يعد يحتمل الوقوف على قدميه اللتين لا تقويان على حمله جراء تقدمه في السن، وتردي وضعه الصحي، وإهماله طبيا، كما يجبره السجانون على الوقوف بعكازيه خلال عملية العد اليومية والمضنية" قالت إكرام التميمي شقيقة الأسير صدقي.
وأضافت "لعجز أخي عن الوقوف، يعاقبه السجان بالعزل في الحبس الانفرادي، فهو يقبع الآن في العزل الانفرادي ومحروم من الزيارة بأمر من مصلحة إدارات السجون الإسرائيلية التي تحرم أمي المريضة والتي تجاوز عمرها (80 عاما) من زيارته منذ 3 سنوات".
وحول إهماله طبيا، تقول إكرام، إنه وبعد متابعات حثيثة مع جهات حقوقية وإنسانية لتقديم العلاج اللازم له، حقن أطباء السجن شقيقها الأسير بإبرة "بنسلين" كادت أن تودي بحياته، ودون مراعاة حساسيته المزمنة من هذا الدواء.
الأسير التميمي، متزوج من ثلاث نساء ولديه من الأبناء والأحفاد ما يزيد عن 40 فردا.
تقول إحدى زوجاته وتدعى ام محمد (50 عاما): زوجي غالبا ما يتظاهر عند زيارتنا له في السجن انه قوي ومعافى كي يعزز معنوياتنا، لكن واقع الحال عكس ذلك، فالشاهد على حاله وحالته انه يحضر للزيارة محمولا على كتفي جنديين اثنين، أحدهما يرفعه من إبطه الأيمن والآخر من ابطه الأيسر، وعكازتيه بيديه".
وأضافت، "يقبع زوجي المسن الآن في معتقل نفحه الصحراوي، والاحتلال يحاول إذلالنا كأهالي للأسرى، لكننا نأمل من الله القدير أن يفرج عنه في اقرب تبادل للأسرى".
وتشير "أم محمد" إلى أن ابنته مي، التي بلغت من العمر (21 عاما)، كانت حين اعتقل والدها في رياض الأطفال، تزوجت وأنجبت أطفالا، وأن والدها قال لها في اخر اتصال هاتفي "شهرين وبروح"، فضحكت ودموعها منهمرة على وجنتيها، فسألها والدها عن ضحكها وبكائها معا، فردت مي قائلة "منذ أسرت قبل 17 عاما وأنت لا تقطع الأمل بالإفراج القريب عنك وعن الأسرى وتقول "شهرين وبنروح".
وتابعت زوجته، من يزوره في السجن لا يصدق عينيه.. فلحيته بيضاء، ورأسه كساه الشيب، فيما كست التجاعيد وجهه، وضعف بصره وسمعه، وكأنه في الثمانين من عمره.
وأشارت "أم محمد"، كما ابنته إكرام، لفتت إلى مطالباتهم الحثيثة والمتكررة لممثلي الصليب الأحمر الدولي والعديد من المؤسسات الحقوقية الدولية والإنسانية، إلى ضرورة التدخل العاجل لإنقاذ حياته بتقديم العلاج اللازم له، لكن ذلك لم يجد نفعا ومعاناته مستمرة.
وقال مدير هيئة شؤون الأسرى والمحررين إبراهيم نجاجرة لـ"وفا"، إن أعدادا كبيرة من الأسرى المسنين خاصة القدامى يقبعون في السجون والمعتقلات الإسرائيلية وجميعهم يعانون أمراض الشيخوخة والأمراض المزمنة، مثل السكري، والضغط، وفي مقدمتهم شيخ الأسرى فؤاد الشوبكي (79عاما)، وهناك 1800 أسير مريض من مجمل الأسرى البالغ عددهم على مستوى الوطن 6500 أسير.
"الأسرى المسنون ليست لديهم خصوصية عند مصلحة ادارة السجون الإسرائيلية التي تدعي تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة، هم يعاملون بخصوصية واحترام من قبل زملائهم الأسرى فقط" يؤكد نجاجرة، ويضيف "رسالتنا تتمثل بمطالبة المجتمع الدولي بالتدخل للإفراج عن جميع الأسرى، خاصة المسنين والمرضى، كي يتلقوا الرعاية الطبية والفحوصات والأدوية اللازمة خارج السجون.
نجاجرة لفت الى أن الأسير ميسرة أبو حمدية، وهو من سكان الخليل أيضا، اكتشفت إصابته بمرض السرطان وهو داخل السجن بعد إصابته بثلاث سنوات، غير أن مصلحة السجون لم تقدم له الفحوصات والعلاجات اللازمة، وكانت تدعي دوما عدم إصابته بأمراض حتى استشهد داخل الأسر.
واعتبر مدير نادي الأسير في محافظة الخليل أمجد النجار، أن إسرائيل لا تراعي أي قيم إنسانية أو اعتبارات أخلاقية، فالأسرى المسنون يعانون الأمرين جراء قمعهم من قبل قوات الاحتلال التي ترفض في كل مرة في اتفاقيات تبادل الأسرى الإفراج عنهم.