الأبواب المغلقة
جويد التميمي
أمام متاجر مغلقة، وبوابه حديدية، وحاجز عسكري، وكاميرات مراقبة نصبها الاحتلال، وقف مواطنون يتهامسون، وينظرون بحسرة صوب حي جبل الرحمة وتل الرميدة وشارع الشهداء، وعدة أحياء أخرى أغلقتها سلطات الاحتلال وسط مدينة الخليل، قبل ما يزيد على عقدين من الزمن.
وعلى بعد أمتار أخرى، يجوب صحفيون بكاميراتهم طريقا مغلقة بأمر عسكري إسرائيلي بذرائع وحجج أمنية واهية تتوسط مسجدي جبل الرحمة والريان، تعتلي تلة من تلال مدينة الخليل المطلة على أسواق البلدة القديمة المغلقة هي الأخرى، كما مئات المحلات التجارية التي تعود ملكيتها لمواطنين كانوا يعتاشون منها وكانت يوما ما مصدر رزقهم الوحيد قبل أن تقدم سلطات الاحتلال على إغلاقها.
في البلدة القديمة هناك نحو 1829 محلا تجاريا مغلقا منذ ارتكاب الإرهابي المتطرف "باروخ غولدشتاين" مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994، منها 512 متجرا مغلقا بأمر عسكري إسرائيلي في شارع الشهداء، ومنطقة السهلة وسوق الذهب والخضار وغيرها من الأسواق.
ويأمل أهالي حي تل الرميدة بأن قرار إدخال عدد من المركبات وإعادة فتح 15 محلا تجاريا في الحي المغلق الذي انتزعته الهيئة العامة للشؤون المدنية الفلسطينية من الاحتلال، هو بداية لفتح جميع الأماكن والأحياء والمتاجر المغلقة في الخليل.
وتعمل لجنة إعمار البلدة القديمة في الخليل جاهدة بالتعاون مع عدد من المؤسسات الرسمية والأهلية والحقوقية على إعادة فتح الشوارع والمتاجر التي أغلقها الاحتلال عقب المجزرة، إلى جانب 15 محلا تجاريا مغلقا منذ عام 2000، وإدخال 12 مركبة للمواطنين في تل الرميدة، من بينها مركبتان لذوي الاحتياجات الخاصة.
وقال مدير عام اللجنة عماد حمدان، لــ "وفا، إن القرار الإسرائيلي ليس منة على الفلسطينيين، فنحن أصحاب الأرض الحقيقيون، لأن وجود الاحتلال ومستوطنيه وسط الخليل كما وجودهم في أي مكان في فلسطين، غير شرعي وغير قانوني، وعليهم الخروج من كافة أحياء الخليل.
وأشار حمدان إلى أن جهودا حثيثة تبذلها لجنة الإعمار ومؤسسات رسمية وأهلية وحقوقية عدة، لفتح الطريق الذي يربط شمال الخليل بجنوبها ويقع في محيط منطقتي جبل الرحمة وتل الرميدة ويعبر من أمام ما تعرف في الخليل بـ "عمارة قفيشة"، التي يعتلي جنود الاحتلال سطحها في كثير من الأحيان.
من ناحيته، أشار رئيس بلدية الخليل تيسير أبو سنينة، إلى أن سلطات الاحتلال رغم قرارها فتح عدد من المحلات في حي تل الرميدة، وإدخال عدد من المركبات للفلسطينيين، إلا أنها تحاول تهويد المدينة من خلال التوسع الاستيطاني وإغلاق المئات من المحلات التجارية الأخرى، وهدم المباني التاريخية ومضايقة السكان لإرغامهم على الرحيل بزعم أنها تملك هذه الأراضي والممتلكات منذ عقود، كما تواصل سياستها الاستيطانية من خلال شق الطرق لربط البؤر الاستيطانية والمستوطنات المقامة وسط الخليل بمستوطنة "كريات أربع" المقامة على أراضي المواطنين شرق المدينة، لخلق كتلة استيطانية واسعة مترابطة ومترامية الأطراف في الخليل القديمة.
وأكد أبو سنينة أن متاجر وشوارع الخليل ملك لأهلها وبلديتها وفتحها أمامهم هو حق شرعي وقانوني، لافتا إلى أن ممارسات المستوطنين اليومية في أحياء الخليل وحي تل الرميدة وغيرها، المدعومة من قبل حكومة الاحتلال التي تتبادل الأدوار معهم، تهدف بالأساس إلى تضييق الخناق على السكان الفلسطينيين الأصليين أصحاب الأرض والعقارات، خاصة بلدة الخليل القديمة، لإجبارهم على الرحيل بغية سرقة ممتلكاتهم وتهويدها.
وأكد خبير الخرائط والاستيطان عبد الهادي حنتش، لـ "وفا"، أن قرار فتح المحلات التجارية يجب أن يتم تنفيذه في ظل ما نشهده من تحكم للمستوطنين الذين يحضرون للسكن في الخليل تحت حماية قوات الاحتلال.
وأضاف: "هناك آلاف المحال المغلقة بأوامر عسكرية منذ ما يزيد على عقدين من الزمن، غالبيتها في شارع الشهداء وسوق الذهب والملابس البالية والدجاج والخضار (الحسبة القديمة)، كما العديد من الطرق والأزقة وسط الخليل مغلقه بأوامرهم"، قائلا: "هذا قتل لجميع مناحي الحياة وتقطيع لأوصال للمدينة ذات التاريخ والحضارة الفلسطينية، وهو مناف للقانون الدولي والإنساني واتفاقية جنيف الرابعة".