الناس والجرائد
عُلا موقدي
في ثورة الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات الهائلة في السنوات الأخيرة، أصبح مشهد رجل كبير في العمر يتصفح جريدة "لقطة" مغرية لعدسات المصورين.
حتى أولئك الذين كانوا يمتهنون التجوال في الصحف، بدأوا اليوم بالتناقص، خاصة في ظل عدم مقدرة عشرات الصحف في الوطن العربي على الاستمرار في طباعة نسختها الورقية، بعضها أعلن إفلاسه وأغلق، والآخر اكتفى بتحويل جريدته لموقع الكتروني.
ما زالت الناس تقرأ الجرائد، وخاصة الكبار في السن، الذين يرون في تقليب الصفحات طقسا لا يمكن الاستغناء عنه، مهما تغير العالم، وتغيرت وسائل المعرفة.
منذ 23 عاما، إلى اليوم، يحمل رأفت زهد على ذراعه اليسرى، الجريدة، متجولا بها في شوارع وأزقة ومحال مدينة سلفيت، شمال الضفة الغربية.
يُسلم رأفت، أعداد الحياة الجديدة، لمشتركين ثابتين، ويتجول بين المحال، وفي الشوارع، عله يلتقط قارئا جديدا، يزيد البيع جريدة واحدة.
محمد زهد "أبو أشرف" ( 83 عاما)، ويعتبر من أقدم قراء الجريدة في مدينة سلفيت، قال لـ"وفا"، تعلمت القراءة والكتابة للصف السادس الابتدائي، ثم كنت أقرأ الصحف في وقت فراغي للتسلية، وقديما كان رجلا يدعى "أبو السيد" يتجول في شوارع المدينة، ويقرأ عناوين جريدة القدس بصوت عال، يبيع الجريدة بما يقارب القرشين، ومن لم يشترِ منه، ويريد القراءة، يذهب إلى البلدية، أو المحال التجارية.
ويضيف زهد: استأجرت محل الحلاقة قبل 55 عاما، أقضي غالبية وقتي به، يضع موزع الجرائد نسختي في قهوة "التوتة" المجاورة لي، واعتاد العامل هناك أن يعطيني إياها مع فنجان القهوة السادة، أقلب صفحاتها، أهتم بالأخبار السياسية، وأتابع الأخبار المتعلقة بالحوادث، وضبط مشاتل المخدرات، والمناسبات الاجتماعية، وبعض الأخبار الرياضية.
ويذكر، "كنت أقتني مذياع صغير يبث الأخبار بصوت عال، نجتمع حوله حين يكون خطابا لجمال عبد الناصر وأبو عمار، وفي زمن الانتفاضة الأولى دخل الجيش الصالون، ودمر ماكنات الحلاقة، وكسر المذياع، ومن يومها ووسيلتي لمعرفة الأخبار إما الجريدة، أو التلفاز، في ساعات الليل".
أبو عيسى، في السبعينات من عمره، يعاني من ضعف في السمع، ولا يمتلك هاتف محمول ذكي ليتصفح الأخبار عليه، لكنه اعتاد منذ زمن طويل أن يقرأ الجريدة بشكل مستمر، يقول: أهتم بالأخبار المتعلقة بمحافظة سلفيت، أفتش عنها بين صفحات الجرائد واحتفظ فيها، بعض الأخبار اقرأها سريعاً، وما يلفت انتباهي اقرأ تفاصيله، انظر إلى زاوية الوفيات وأخبار محاكم الصلح، فاليوم مثلاً كان في زاوية الجريدة خبر متعلق بقرية دير بلوط.
فتحي عبد العزيز صاحب شركة مواصلات سلفيت المولود عام1960، يسرد: أتصفح المواضيع السياسية والاقتصادية فقط، تصلني الجريدة منذ 7 سنوات، وأحب الإعلام المكتوب؛ لأنه يعطي تفاصيل أكثر واستمتع في القراءة بتأني، بحسب فراغي، اقرأ لعمر حلمي الغول، وحافظ البرغوثي، وغيرهم من الأشخاص المميزين في عالم الصحافة.
على مدى العقدين الماضيين، وأكثر، استلم نادر زهد وكالة صحيفة الحياة الجديدة، ويوضح لـ"وفا"، في الفترة الأخيرة أصبحنا نوزع ما يقارب 80 عددا في مدينة سلفيت، 50 منها مشتركين ثابتين، ما بين مؤسسات، وأفراد.
ويضيف، ما بين الاعوام 1996-2000 كان يصل معدل بيع الأعداد إلى 170، حيث يذهب 50 عددا على الأقل في سوق مسحه الذي كان يعج بالناس وقتذاك، وفي انتفاضة الأقصى عام 2000، أصبحنا نعاني من صعوبة الحصول على الجريدة بسبب الحواجز، وانقطع وصولها إلى سلفيت مدة 3 أشهر.
يشير مركز المعلومات الفلسطيني إلى أن صدور العدد الأول من صحيفة "القدس"، كان بتاريخ 19/11/1968، لتكون أول صحيفة فلسطينية يومية تصدر بالأراضي الفلسطينية بعد حرب عام 1967. وقد تعرضت للعديد من المضايقات من سلطات الاحتلال، حيث تم إغلاقها، ومنعها من التوزيع خلال الفترة 22/12/1987 ولغاية 9/1/1988.
وبعد إصدارها، توالت الصحف الفلسطينية بالصدور، فمثلًا: صدرت صحيفة "الفجر" بتاريخ 7/4/1972، وكانت تصدر بشكل أسبوعي؛ لكنها أصبحت تصدر بشكل يومي بتاريخ 15/6/1974؛ وبعد ثلاثة أشهر من صدورها، صدر العدد الأول من صحيفة "الشعب"، إلا أن الاحتلال فرض الإغلاق عليها مرات عديدة، ومنعها من التوزيع؛ بحجة أنها كانت تدعم ماليًا من قبل منظمة التحرير.
وفي العام 1986م صدرت صحيفة "النهار" بشكل أسبوعي، ثم أصبحت تصدر بشكل يومي، وأغلقت أبوابها عام 1997؛ لأسباب مادية.
وصدرت صحف يومية أخرى كانت تحتل مكانة بارزة في تلك الفترة، كصحيفة "الميثاق"، والتي صدرت في العام 1980، وبسبب مواقفها المعلنة ضد سلطات الاحتلال الإسرائيلي؛ منعت من التوزيع أكثر من 15 مرة سنويًا، وصحيفة "الطليعة"، والتي تعد التعبير العلني الثاني للحزب الشيوعي الفلسطيني، وصدرت صحيفة "الدرب" عام 1985، وقد أغلقتها سلطات الاحتلال في شهر آب1986، وصحيفة "الجسر"، وهي أول صحيفة تصدر باللغة العبرية وكانت أسبوعية، وفي عام 1992 صدرت صحيفة "البلاد" في رام الله، وتوقفت بعد عامين.