السفارة الأميركية في القدس... ما بني على باطل فهو باطل
واثق سليمان
في السادس من شهر كانون أول العام الماضي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب القدس عاصمة لإسرائيل، والبدء بنقل سفارة بلاده من تل أبيب إليها، متجاهلا كافة التحذيرات الفلسطينية والدولية لمثل هذه الخطوة وتداعياتها، الأمر الذي أشعل غضبا واسعا في الأرض الفلسطينية، وتنديدا عربيا ودوليا.
واليوم يصر الرئيس الأميركي على المضي في خطواته المعادية والمتنكرة للحقوق الفلسطينية من خلال افتتاح مقر سفارة بلاده في القدس، رغم حالة الرفض والتنديد الواسعة التي تلاقيها هذه الخطوة، سواء على الصعيد الفلسطيني، قيادة وشعبا، أو على الصعيد العربي والدولي.
وبينما لن يحضر الرئيس الأميركي ترمب، سيشارك وفد أميركي يتكوّن من 300 شخص، في "مراسم" نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، يترأسه نائب وزير الخارجية الأميركي جون سوليفان، ويضم أيضاً المستشار الخاص لترمب جاريد كوشنر وزوجته إيفانكا، بالإضافة إلى وزير الخزانة الأميركي ستيف منوتشين، والعشرات من أعضاء الكونغرس الأميركي.
وكشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" على موقعها الإلكتروني، أسماء الدول التي سيشارك سفراؤها اليوم الاثنين في "مراسم" نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، وبحسب الصحيفة، فإن سفراء 30 دولة من أصل 86 دولة وجهت لها الدعوة سيشاركون.
القيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس، التي حذرت من خطورة إعلان ترمب، ونقل السفارة الأميركية للقدس، أعلنت رفضها الشديد لهذه الخطوة، وشرعت منذ إعلان ترمب نيته الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل بعدة اتصالات مع عدد من الرؤساء والزعماء في العالم لوضعهم في صورة خطورة هذه الخطوة.
وأكد الرئيس محمود عباس، في خطاب ألقاه تعقيبا على قرار الرئيس ترمب، أن هذا الإعلان لن يعطي أية شرعية لإسرائيل، كون القدس مدينة فلسطينية عربية مسيحية إسلامية وعاصمة دولة فلسطين الأبدية، وأن قرار أميركا بشأنها يشكل تقويضاً متعمداً لجميع الجهود المبذولة لتحقيق السلام، ويمثل إعلانا بانسحاب أميركا من ممارسة الدور الذي كانت تلعبه خلال العقود الماضية في رعاية السلام.
وأجرى سيادته اتصالات مكثفة مع قادة ورؤساء في العالم وبحث معهم إعلان ترمب وتداعياته على المنطقة بأسرها.
وعقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة في الثامن من شهر كانون الأول 2017 بدعوة من ثماني دول، لبحث إعلان الرئيس ترمب حول القدس، وقد شهدت الجلسة إجماعا دوليا كبيرا منددا بهذا الإعلان.
كما عقد وزراء الخارجية العرب اجتماعا طارئا لبحث إعلان ترمب حول القدس أكدوا خلاله رفضهم لهذا الإعلان واعتبروه باطلا، سبقه اجتماع طارئ للجنة مبادرة السلام العربية برئاسة الأردن.
كذلك، شارك الرئيس عباس في مؤتمر القمة الإسلامية الطارئة الذي عقد في مدينة اسطنبول التركية، في الثالث عشر من شهر كانون أول 2017، وأكد في خطابه أمام المؤتمر، أن إعلان الرئيس ترمب بأن القدس عاصمة إسرائيل وتعليماته بنقل سفارة بلاده إليها، انتهاك صارخ للقانون الدولي والاتفاقيات الموقعة وخاصة قرارات مجلس الأمن، واستفزاز للمجتمع الدولي، داعيا الدول الإسلامية لتحديد علاقاتها مع دول العالم على ضوء مواقفها من قضية القدس.
وقد أكد قادة دول وحكومات منظمة التعاون الإسلامي الذين اجتمعوا في اسطنبول رفض وإدانة القرار الأحادي غير القانوني وغير المسؤول لرئيس الولايات المتحدة الأميركية، كما أكدوا التمسك بالسلام العادل والشامل القائم على أساس حل الدولتين، وحملوا الإدارة الأميركية المسؤولية كاملة عن تداعيات عدم التراجع عن القرار.
وفي السياق ذاته، أكد القادة الـ28 لدول الاتحاد الأوروبي، في بيان لهم، في الرابع عشر من شهر كانون أول 2017، أن موقف الاتحاد من وضع القدس يبقى "ثابتا" بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل.
وقال البيان الصادر عن رؤساء، ورؤساء حكومات دول الاتحاد الأوروبي، إنه يؤكد من جديد الانتقادات الموجهة لقرار ترمب الذي خالف سبعة عقود من السياسة الخارجية الأميركية تجاه هذا الملف الحساس.
وفي الثامن عشر من الشهر ذاته، استخدمت الولايات المتحدة الأميركية، في خطوة تؤكد إمعانها في تجاهل حقوق شعبنا الفلسطيني، حق النقض "الفيتو"، ضد مشروع قرار تقدمت به جمهورية مصر العربية في مجلس الأمن لرفض وإبطال إعلان الرئيس الأميركي ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها.
وقد وافق جميع الأعضاء الـ 14 على مشروع القرار الذي اعتبروه غير شرعي وغير قانوني ومنافيا للقانون الدولي والشرعية الدولية ويعرقل السلام والاستقرار في المنطقة.
وباعتراض الولايات المتحدة على مشروع القرار، تكون بذلك قد استخدمت "الفيتو" لصالح دولة الاحتلال الإسرائيلي 43 مرة على حساب الحقوق الفلسطينية المشروعة.
وقد أدانت الرئاسة الفلسطينية "الفيتو" الأميركي ضد مشروع قرار بشأن القدس، واعتبرته استهتارا بالمجتمع الدولي وانحيازا للاحتلال والعدوان الاسرائيلي.
وعقب الفيتو الأميركي في مجلس الأمن الدولي، توجهت القيادة الفلسطينية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي حققت فيها في الحادي والعشرين من شهر كانون أول 2017 انتصارا دبلوماسيا كبيرا بدعم من دول عدم الانحياز والدول الإسلامية والعربية، والصديقة، باعتماد قرار للجمعية العامة يرفض أي تغيير على الوضع القانوني للقدس، تحت بند "متحدون من أجل السلام"؛ بالأغلبية الكبيرة.
وحظي مشروع القرار بدعم 128 دولة، ومعارضة تسع دول فقط، فيما امتنعت 35 دولة عن التصويت.
وقالت الرئاسة الفلسطينية إن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة "يعبر مجددا عن وقوف المجتمع الدولي الى جانب الحق الفلسطيني، ولم يمنعه التهديد والابتزاز من مخالفة قرارات الشرعية الدولية" .
وفي العشرين من شهر شباط الماضي، عرض الرئيس محمود عباس خطة سلام شاملة، أمام مجلس الأمن الدولي تعالج الإشكالات الجوهرية التي تسببت في فشل مساعي السلام على مدار عقود.
وأمام مؤتمر القمة العربية العادية الـ29 "قمة القدس"، الذي عقد في الظهران بالمملكة العربية السعودية في الخامس عشر من شهر نيسان الماضي، دعا الرئيس عباس القمة إلى تبني خطة السلام التي طرحها في مجلس الأمن، مؤكدا أن القدس تشهد هجمةً استيطانية غير مسبوقة بدعم من الإدارة الأميركية التي جعلت نفسها طرفاً في الصراع ما جعل الحديث عن خطة سلام أميركية أمرا غير ذي مصداقية.
وما زال الرئيس محمود عباس يجري الاتصالات المكثفة والجولات المكوكية مع قادة ورؤساء دول العالم، من أجل شرح خطورة إعلان الرئيس ترمب، ونقل سفارة بلاده للقدس وتداعيات ذلك، ومن أجل حشد الدعم للقضية الفلسطينية، كان آخرها جولة سيادته في عدد من دول أميركا اللاتينية، التي أنهاها وعاد إلى أرض الوطن ليترأس اجتماعا هاما للقيادة اليوم الاثنين للرد على الإجراءات الأميركية والإسرائيلية.
وعلى الصعيد الشعبي الفلسطيني، لاقى إعلان ترمب حول القدس ونقل السفارة إليها تنديدا ورفضا واسعا من قبل أبناء شعبنا في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكافة أماكن تواجدهم، ترجم من خلال التظاهرات الحاشدة التي خرجت للتنديد بهذا القرار، والتي من المقرر أن تصل ذروتها اليوم بالتزامن مع "مراسم" نقل السفارة للقدس.
وقد تحولت معظم التظاهرات في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى مواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي التي استخدمت مختلف أنواع الذخائر في قمعها للمتظاهرين رغم سلميتها، ما أسفر عن استشهاد 90 مواطنا في الضفة الغربية وقطاع غزة، بينهم 12 طفلا وسيدة، منذ إعلان ترمب وحتى اليوم، حسب إحصائيات وزارة الصحة.
ويرى المحللون أن ما بعد نقل السفارة الأميركية إلى القدس لن يكون كما قبله، فالإدارة الأميركية بخطوتها هذه تكون قد فتحت الباب أمام المجهول وهي الوحيدة التي تتحمل مسؤولية تداعيات ذلك على الاستقرار في المنطقة.