أيام تُبكي العيون!!
الحارث الحصني
قبل عامين زار طه محمد صبح من سكان مخيم الفارعة للاجئين جنوب طوباس، قريته أم الزينات التي هُجّر منها والواقعة على سفح جبل الكرمل بالداخل المحتل.
صبح الذي حطّت الرحال بأسرته في عدد من المحطات المؤقتة، قبل أن يستقر بهم المطاف في مخيم الفارعة، يصف زيارة مسقط رأسه بأنها "زيارة ولدت عنده مشاعر متناقضة بين الحزن والفرح وأنها زيارة أدمعت العيون".
ويقول صبح المولود في أم الزينات عام 1942 "رحلة طردنا من بلادنا كلها أحداث لا تنسى(...)، نبكي كلما تذكرناها، كنت في السادسة من عمري عندما خرجنا من قريتنا، الناس كانت تتناقل خبر اقتحام الاحتلال لم يخرجنا الرصاص، بل أخرجنا الخوف".
" كيف خرجوا!، لا أدري...خرجت كامل الحمولة إلا والديّ ظلا في البيت، كلما يقتحم الاحتلال البيت تختبئ أمي في "الطابون" وهو مكان كان يستخدمه الفلسطينيون في اعداد الخبز وبعض الأطعمة"، يضيف صبح.
ويتابع صبح الذي يسكن في أطراف مخيم الفارعة، "ذات مرة جاء الاحتلال لوالدي الذي كان يملك فرسا أصيلة وطلبوا منه الرحيل(...)، كان أبي يعاني من مشكلة صحية فمنعوه أن يركب الفرس، وذهب إلى أحراج الكرمل وهناك التحق بالعائلة التي كانت تسكن في مغارة سماقة".
ويقول "لحقت والدتي بأبي بعد أسبوع، ولم تنتهِ بعد الأحداث عند هذا الحد، وذهبنا بعدها لبلدة اسمها "إجزم" ولم نمكث كثيرا فها، بعدها توجهنا إلى بلدة أخرى اسمها "معاوي"، ثم الى عانين وهناك سكنا تحت شجر الزيتون وفي الكهوف، كنا نرجع لقريتنا الأصل لجلب ما يمكن جلبه من طعام".
ويتابع صبح: "بعدها انتقلنا إلى منطقة الشهداء قرب جنين، وسكنا في مخيم "جنزور" بالخيام لكننا لم نمكث كثيرا بعد أن هدمت الخيمة بفعل الثلوج عام 1950، لننتقل بعدها الى المساجد لفترة من الزمن".
وفي اواخر عام 1950، انتقلت عائلة صبح من جنين إلى منطقة الفارعة جنوب طوباس، حيث أقيم المخيم قرب نبع ماء.
ويضيف صبح، فتحت وكالة الغوث "الاونروا" مدارس داخل خيام، ثم تحولت الى بناءً اسمنتيا ففرح اللاجئون عندها، الا انهم فقدوا الأمل بالعودة وقتها، وكنا نسمع الاخبار من "الراديو" وبعدها أغلقناه وعدنا لنكافح في الحياة".
ويعود صبح ليروي عن تفاصيل زيارته الى قريته التي هجر منها (ام الزينات) حيث صحبه في رحلته ابن عمه، ويقول: توقفنا عند ساحة البيت حيث كانت شجرتا مشمش ورمان مزروعتان، وبحثنا بعدها عن ديوان العائلة، وبئر ماء ردم لأسباب متعددة، و"طابون" كان يسميه الناس طابون خضرة الخطيب، وهو اسم والدته، عندها غلبت على صبح الدموع.
ويضيف: "تلك الأيام(...)، أيام نبكي عليها".
وبحسب احصاءات جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني، في تعداده الثالث للسكان الأخير الذي انطلق عام 2017، بلغ عدد سكان مخيم الفارعة 5625 لاجئا.