ذاكرة تنبض بالحياة
طارق الأسطل
"قبل دخول اليهود الى قريتنا المتواضعة، كنا مزارعين نعمل بفلاحة الأرض، وزراعتها بالقمح، وبأصناف متعددة من الخضروات، والفواكه المختلفة، وحياتنا كانت جميلة، وبسيطة، وكلها سعادة"، هكذا بدأ الحاج عيد محمد الفراني (83 عاما) من سكان مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة يسرد ذكرياته إبان نكبة فلسطين في العام 1948.
الحاج عيد الفراني "أبو حيدر" كان في الثالثة عشرة من عمره، عندما أجبر أن يغادر قريته حمامة، الواقعة في الجنوب الغربي من ساحل فلسطين بين مدينة المجدل وبلدة أسدود داخل أراضي عام 48، ومع ذلك فهو ما زال يتذكر كل زاوية في قريته، ويتذكر الناس الذين عاشوا هناك، والمكان بدقة.
وقال الفراني، وهو من مواليد عام 1935، في حديث مع "وفا": كان أبي رحمه الله يعمل في الزراعة، وكان يعتمد على أخي الأكبر عبد الهادي، الذي كان عمره آنذاك 20 عاما، في بيع المحاصيل الزراعية، كالقمح، والخضار، والزيتون، والخوخ، والبرقوق، والعنب.
وأضاف، كنا نسمع عن مجازر ارتكبتها عصابات يهودية، كمجزرة دير ياسين، واللد، والرملة، وغيرها، حيث بدأت هذه العصابات بتهجير القرى والمدن الفلسطينية.
وتابع: أتذكر عندما أرسل أبي أخي عبد الهادي الي مدينة يافا لبيع محصول العنب، حيث استقل جملين محملين بالعنب، وفي الطريق قابلته تلك العصابات اليهودية المدججة بالسلاح، فقامت بقتله والتنكيل بجثته، حيث قاموا بدهسه بالدبابات، وهو ميت.
واستطرد قائلا: وصل خبر استشهاد أخي كالصاعقة علينا، وخاصة أبي الذي تأثر كثيرا بفراقه، حتى انه لم يتحمل هذه الفاجعة، ووقع طريح الفراش لأسبوع كامل، ثم فارق الحياة.
وبدت ملامح الحزن على وجه الحاج عيد الفراني، وهو يسرد ما فعلته العصابات الصهيونية بحق عائلته، والدمار الذي لحق بهم، وبالعائلات الأخرى المجاورة، مبينا أن هذه المجازر والمذابح التي ارتكبت بحق شعبنا شكلت حالة من الرعب والخوف الشديدين، الذي كان سببا في الهجرة، والرحيل إلى مناطق أخرى.
وقال: رغم مرور 70 عاما على النكبة، فإن تفاصيل الجريمة ما زالت حاضرة في عقلي، مشيراً انه بعد وفاة والده واستشهاد أخيه أصبح الأمر صعبا للغاية، خاصة عندما كانت العصابات اليهودية تهاجم المدن والقرى الفلسطينية وتجبر أهلها إلى الرحيل قصراً بقوة السلاح والدمار والقتل.
"كنت برفقة أمي وأختي، تركنا منزلنا، وأرضنا، تركنا الجمل بما حمل، وتوجهنا إلى المجدل، ومن ثم إلى قرية نعليا، وبعد ذلك الى قرية بربرة التي مكثنا فيها يومين ومن ثم الى هربيا. وآخر المطاف الى مدينة خان يونس التي مكثنا فيها حتى هذه اللحظة" يسرد تفاصيل أخرى.
وتابع: الأمل لم ينقطع ولو للحظة واحدة بأن موعد العودة لا بد وأن يأتي، فإذا لم يكن في عهدي، فستنتهي قصة العودة مع أبنائنا أو أحفادنا، فنحن نسلم أمانة فلسطين جيلاً بعد جيل. مؤكداً انه يحتفظ بجميع الأوراق والوثائق التي تخص بيته وأرضه في قرية حمامة.
وختم قائلا: لا بد لليل ان ينجلي، ولا بد للقيد ان ينكسر، وسنعود ان شاء الله الى مدننا وقرانا التي هجرنا منهارغم كافة المؤامرات التي تُحاك ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.
الجدير ذكره، ان قطاع غزة شهد أمس يوما داميا بفعل مجزرة ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين العزل المشاركين في الذكرى الـ70 لنكبة شعبنا الفلسطيني، وتنديدا ورفضا لنقل السفارة الأميركية إلى القدس.
حيث ارتفعت حصيلة الشهداء برصاص الاحتلال الإسرائيلي، على طول الشريط الحدودي شرق قطاع غزة، إلى 60 شهيدا، بينهم 7 أطفال، إضافة لإصابة نحو 2800 آخرين.