"كنب" من يافا
عُلا موقدي
......
منذ 70 عاما، تحتفظ عائلة أبو زيد من دير استيا شمال غرب سلفيت، بطقم كنب، أحضره بائع الجبنة محمد أبو زيد من يافا في بدايات العام 1948.
رافضا لأحد الجلوس عليه، أو استبداله، روى عبد العزيز أبو زيد (84 عاما)، حكاية الكنب التي أحضرها والده محمد: "كان والدي محمد يجمع الجبنة من منطقة سلفيت، وينقلها من واد قانا إلى كفر لاقف ثم إلى يافا، يبقى في يافا مدة أسبوع إلى عشرة أيام حتى يبيع الكمية كاملة، ثم يعود محملاً بالقماش إلى ديراستيا، حيث كنا نملك محلاً لبيع القماش في البلدة".
واستذكر عبد العزيز، أنه في أحد الأيام عاد والده في سيارة شحن كبيرة "ترك" محملاً المقاعد الخشبية وطاولة سفرة كبيرة، و6 "طرابيزات"، وطاولة وسط، وسجادة وخزانة من مدينة يافا.
وأضاف: حدثنا والدي أنه اشترى من المزاد العلني، الذي كان يبيع فيه كل الفلسطينيون ممتلكاتهم نتيجة تهجيرهم من أرضهم وبيوتهم، وذكر أن الأوضاع كانت مخيفة، حيث تعرض "الترك" الذي يقلهم إلى إطلاق نار مستمر من اليهود على دوار قريب من القدس، بحسب ذاكرته قرب "بير نبالا".
وأكمل: "أحتفظ بالخشب حتى لو تلف، لا أسمح لأحد بالجلوس عليه، لم أصلحه أبداً، الخشب على حاله، فقط بدلت الفرش، الذي كان باللون الأحمر، إلى اللون البني، طلب مني أخي الكبير مرة أن ينقله إلى عمان، مقابل طقمين جدد من الكنب، رفضت، يستحيل علي التفريط به، فهو ذكرى يافا والوالد. ولعله من المضحك المبكي أن يكون طقم الكنب الثاني (باللون الأخضر) الذي يدخل بيتنا، كان في عام 1968، أي بعد النكسة بأشهر".
"مصطفى زمزم، الشخص الذي كان يشتري الجبنة من عائلة أبو زيد، هجر في العام 1948 من أرضه ولم يستطع الحاج محمد أبو زيد من الوصول إلى يافا في تلك الفترة، وكان بينهما دين، لكن زمزم جاء إلى ديراستيا بعد سنوات، ودفع الدين المستحق والذي بلغ 300 دينار أردني، وذلك بعد أن هجر إلى نابلس ثم إلى الأردن". قال أبو زيد.
وتابع: كان والدي يتنقل في جميع فلسطين، يبيع الجبن في يافا ونابلس والقدس ورام الله والخليل.
وعن ذكرياته الشخصية في يافا، يقول عبد العزيز: "ذهبت إلى يافا مرة واحدة، عام 1946، أخذني والدي إلى بحرها، كنت طفلا، لعبت بالماء بفرح، بتنا في أحد فنادقها، لا أنسى تلك الليلة، كانت الأجمل في حياتي".
الداخل لبيت أبو زيد، لا يشعر بيافا فقط، إنما بفلسطين وتراثها وأصالتها وعراقتها، ففي كل جانب وزاوية من البيت ذو الأقواس التاريخية، والمبني منذ عام 1923، هناك تحفة فنية، وقناديل، ونحاسيات، وصواني قش، وأرضيات مزركشة، إضافة للشبابيك العتيقة المزروعة بأصص الورد والتي تلتقط الحمام الطائر في سماء البلدة، و"بوابير" الكاز التي كانت تسد مكان الغاز، والأجهزة الكهربائية القديمة.
ha