الثمانيني دغُمان: رائحة رمضان الكفرين تسكنني
تسكن تفاصيل شهر رمضان في الكفرين المدمرة ذاكرة الثمانيني أحمد عبد الله دغمان، ويردد: أتذكر أمي ونساء قريتنا جنوب شرق حيفا، وهن يجهزن البرغل خلال النهار، ويحضرن الشعيرية من الطحين، ويجمعن الخضروات من أراضي الروحة قبل الإفطار.
ويقص، خلال الحلقة 66 من سلسلة ذاكرة لا تصدأ" التي تنظمها وزارة الإعلام في محافظة طوباس والأغوار الشمالية واللجنة الشعبية للخدمات في مخيم الفارعة: انتشرت في الكفرين عادة الإفطار الجماعي، وفيه يتنقل الجيران من بيت لآخر طوال الشهر، ويحضرون معهم طعامهم ويتشاركون مع بعضهم، ويتسامرون، وينتقل الرجال لصلاة العشاء.
الشيخ فريد
ووفق الراوي دغمان، فقد أعتاد الأهالي على التبرع لقراء المولد والمدائح النبوية في ليالي الشهر الفضيل، الذي ينتقل بين بيوت البلدة، ويدعو من يستضيفه الجيران والأهالي للمشاركة.
ويتابع: أتذكر المسحراتي الشيخ فريد الذي كان يطوف حارات القرية، ويدق أبواب بيوتها الخشبية ويستخدم تنكة معدن للطرق عليها، فيستيقظ الناس ويتناولون شراب القمردين، واللبن، والجبن البلدي، والبيض، وفي نهاية الشهر اعتدنا على تقديم زكاة الفطر للمسحراتي، من قمح أو نقود.
ويسرد دغمان، المولود في القرية عام 1936، "كان الشيخ عبد الله الأحمد من أم الفحم يصلي بالناس التراويح، وكنا نذهب في النهار إلى مقام الشيخ مجاهد. أما النساء فيتوجهن لعيون الكفرين: البيادر، والبلد، وحمد، وصلاح، وادي البزاري، والحنانة؛ لجلب الماء البارد قبل موعد الإفطار بقليل بجرار من الفخار يحملنها على رؤوسهن، ثم ينقل الماء في أباريق فخار (شربات) كنا نضعها على شباك البيت.
طبق المحمّصة
لا تسقط من أوراق دغمان موائد رمضان، التي تخصصت بها نساء الكفرين، فكن يطبخن المفتول، والعدس، ويبدعن في طبق المحمّصة (البندورة المطهوة مع حب الحمص).
يقول: من كان يريد السير في طرقات القرية يحمل مشعلة، يصنعها من بقايا القماش، ويرش عليها الكاز، وحين يصل هدفه يطفئها. وكان الشيخ يخبرنا بدخول رمضان أو العيد، وكان كبار السن يلفون صباح العيد على كل البيوت، ويزورن المقبرة، ويقدمون العيدية للأطفال والنساء القريبات، ويوزع البعض لحوم الذبائح، ويصنعون طبق الإفطار ليوم العيد.
ويتابع: أتذكر عائلات قريتنا، وهي سرحان، والغول، وخليفة، والعسوس، ونعجة، وعبد الجواد، والحاج يوسف، وأبو لبّادة، وأبو سرّيس، أما مختار البلد فأديب أبو نجمة من حيفا.
وبحسب الراوي، اشتهرت قريته بالزراعة، وبخاصة الحبوب والحنطة والذرة البيضاء والملوخية، ولكنها تميزت بالفجل الذي كان يتضخم كثيراً، ويذهب إلى أسواق حيفا. كما انتشرت في القرية الجمال، التي استعملت لنقل البضائع.
عيد وأرجوحة
ويزيد: انتشرت في صبيحة العيد عادة صنع (المراجيح) للأطفال، فقد كانت الأمهات يربطن الحبال بالأشجار العالية، ويضعن كيس خيش كمقعد، ويلعب الصغار بها وقتًا طويلًا، وكان الأطفال يجتمعون في منطقة البيادر.
ويحرص دغمان على اقتناء خريطة لقريته، أعدها رجا مصطفى صالح، وتبين مواقع بيوتها، وتحفظ أسماء أراضيها الشعبية، كالحواكير، والمرشقة، وتلة الزعترة، وأم القرامي، وطريق العرب الذي كان يربط بلدنا بمرج ابن عامر ويافا، والبيادر، وبئر خميس، ووادي البزاري، وعين البلد، ووادي العرائس، ووادي الحنانة.
وينهي: لا أنسى موقع دكان محمد سرحان وسليمان البابا، ولا النجار جبر المحمود، الذي كان يصنع المحاريث الخشبية، أما البيوت فكانت من الطين وسقفها من القُصّيب، وكان المقاول عبد الشوبكي يبني البيت بعشرين جنيهاَ، وهو يساوي مهر عروس. وحتى اليوم تسكنني رائحة رمضان في قريتي المدمرة.