ماذا حمل الأمير وليام من القدس؟
القدس المحتلة- جميل ضبابات- ما أن وصل الأمير البريطاني وليام ساحة كنيسة القيامة قادما من ساحة المسجد الاقصى، حتى قدم له البطاركة الذين كانوا في استقباله شابا يقف بانتظاره هناك.
لكن الشاب الذي تم تقديمه لدوق كامبريدج الذي زار المواقع الدينية في المقدسة، ليس من أبناء الطوائف الدينية المسيحية، إنما مسلم تحافظ عائلته منذ قرون عديدة على حمل مفتاح الكنيسة.
وهو اضافة الى تلك المهمة التي توارثتها العائلة جيلا بعد جيل تقع على عاتقه مهمة أخرى، هي استقبال الزوار.
وحسب قانون الوضع الراهن، أو ما يعرف بـ "الستاتيكو" وهو وضع تثبيت حقوق كل طائفة دينية في المدينة وما زال ساريا حتى الآن، كان على أديب الحسيني أن يستقبل الزوار ويعرض أمامهم مفتاحا حديديا، يفتح ويغلق به باب الكنيسة، طوله 30 سم ووزنه 250 غرام. وهو المفتاح الصليبي الذي رافق افتتاح الصليبيين الكنيسة بشكلها الحالي في 15 تموز عام 1149.
كان على الحسيني حامل المفتاح أن يستقبل الأمير وليام ضمن تقاليد ذلك القانون، وما أن صافح دوق كامبريدج البريطاني، حتى سأله إذا كان يقبل هدية منه؟.
وهو ما اعتاد عليه حامل المفتاح عند وصول السياسيين وكبار الزوار إلى المكان.
"كانت هدية صغيرة جدا. إنها علبة مصنوعة من خشب الزيتون"، قال الحسيني.
وإلى جانب قطعة من عجينة (الشمع المقدس) والتي يتم إغلاق مقمورة القبر المقدس بعد وضع ختم الحسيني عليها وذلك ايذانا ببدء عيد الفصح، ضمت علبة الخشب عبوة من زيت الكنيسة وحجر صغير.
وأخبر الحسيني مراسل وكالة "وفا" أن الحجر الصغير هو واحد من حجارة المدينة المقدسة".
وفي مجتمع المعرفة الخاصة بالقدس هناك ما يدعى بحجر القدس.
وصممت مباني القدس العتيقة بدقة شديدة ميزت المدينة عن مدن العالم، وفيها حملت الزقاق والأسواق أسماء محددة تعرف على صعيد عالمي بها.
لكن الحجر الذي وصل هدية إلى الأمير الذي يزور القدس لأول مرة ضمن زيارة للأرض الفلسطيني" من الحجارة في ساحة الاقصى" كما قال الحسيني.
وبنيت القدس من طبقات عديدة من الحجارة، وعرفت القدس بحجارتها المائلة للحمرة وتحمل أخرى لونا طحينيا في المنازل القديمة.
وظهر الحجر الذي قدمه الحسيني بلون داكن، وقال أديب ان طوله لا يتعدى 3 سم. "بالنسبة الي هو دلاله على ان القدس يعمها السواد وهي في ظل الاحتلال".
وكان التنسيق لزيارة وليام الى المدينة المقدس بدأ قبل أشهر، وعندما وصلت الأخبار لحامل مفتاح القيامة، بدأ الحسيني بالتفكير بشكل الهدية التي سيقدمها للأمير البريطاني.
"عندما وصل اعطيته مفتاح الكنيسة(...) وثم اعطيته الهدية". قال الحسيني.
وأضاف "فتحتها أمام الجميع وقد ظهر الحجر أمامه". يقول الحسني بلهجة ملؤها الفخر. "سألته هل ترضى هديتي. قال: أرضاها بفخر".
وتجمهر العديد من الراغبين في رؤية الأمير وهو يدخل الكنيسة أمامها، واستطاع العديد التقاط صور له وهو يتلقى الهدية.
وغالبا ما يصل الزوار العاديون الى ساحة الكنيسة دون تنسيق مسبق، وعليهم فقط الالتزام بخط مسير واضح داخل الكنيسة.
لكن مثل زيارة الامير البريطاني لا تتم بتلك العفوية، فقد تسلم الرجل الهدية ولمس المفتاح، قبل الدخول إلى المغتسل وهو حجر التطييب الذي يعتبر المرحلة قبل الاخيرة من مسيرة آلام السيد المسيح، حسب المعتقد المسيحي.
معلوم أن كنيسة القيامة تضم آخر خمس مراحل من مسيرة الآلام حسب المعتقدات المسيحية، وحجر التطيبب هو المرحلة الثالثة عشر، والذي زاره وليام بعد زيارة الجلجلة وهي صخرة الصلب.
وقد تعني الحجارة في المدينة المقدسة واحدة من أكثر الرموز الروحانية والدينية.
في أكثر الأماكن قدسية في المدينة الصخرة التي تقع تحت قبة الصخرة المشرفة ومنها يعتقد ان النبي محمد صعد إلى السماء، وفي المدينة بنيت الأماكن المقدسة من حجارة دار حولها صراع طويل، وتعرض بعضها للقصف والخراب في أتون الحروب.
وفي واجهات باب الخليل تظهر آثار الطلقات النارية التي أصابت الحجارة عام 1967.
ذاتها كنيسة القيامة تتمع بتشكيل حجري أخاذ، ومنذ بنيت في زمن الملكة هيلانه عام 335 ميلادي حتى اليوم تقف حجارتها في واجهات عالية تشد أنظار الزوار.
ذاتها الحجارة شدت أنظار وليام وهو يقف في الساحة التي دلف منها إلى داخل الكنيسة.
لكن يندر مشاهدة حجارة ذات لون رمادي أو أسود في القدس، مثل الحجر الذي حمله الأمير وليام كهدية من الحسيني.
معروف أن جبال الضفة الغربية بما فيها القدس واحدة من أكثر المناطق الجغرافية في إقليم بلاد الشام شهرة بالحجارة، وتشير أرقام رسمية فلسطينية، أن صادرت الحجر والرخام، تقف في أعلى سلم الصادرات المحلية جنبا الى جنب مع الصادرات الزراعية.
وتقول جهة قريبة من قطاع الحجر والتعدين أن حجم التجارة في الحجارة عام 2017 بلغ 420 مليون دولار من مجموع الناتج المحلي.
وغالبا ما يجري الحديث عن الحجارة التي تستخرج من المقالع الفلسطينية بانها ذات جودة وجمال مميزين.
وحجارة القدس ذات الطابع الدلالي الديني والتاريخي، هي ذات طابع جمالي أيضا.
تشهد المناطق المحيطة في القدس وعلى بعد عشرات الكيلومترات في الضفة الغربية نشاطا مستمرا في البحث عن الصخور التي تنحت يوميا وتجهز كحجارة بناء.
ذاتها المدينة المقدسة بنيت من صخور استخرجت من باطن الأرض المحيطة بها. عندما وقعت المدينة المقدسة تحت الاحتلال البريطاني أصدر أول حاكم عسكري بريطاني في القدس، السير رونالد ستورز قانونا داخليا يدفع باتجاه جعل مباني المدينة الجديدة مبان ذات واجهات حجرية.
وجميع المواقع الدينية والتاريخية التي زارها الأمير البريطاني في القدس الشرقية التي احتلتها اسرائيل عام 1967.
وجاءت زيارة المقدسة بعد زيارته لمدينة رام الله، وفي ذلك دلالة واضحة على أنها ضمن برنامج زيارته للأرض المحتلة.
كان على الأمير البريطاني الذي زار الكنيسة أن يمر عبر طرقات تظهر فيها المباني العتيقة التي أقيمت جدرانها من حجارة التاريخ.