حصار اقتصادي لتمرير صفقة القرن ورفض شعبي ورسمي
أسيل الأخرس
في خطوة غير قانونية وغير أخلاقية، أضفت الكنيست "الإسرائيلية"، كعادتها الطابع العنصري على تشريعاتها الداعمة لإدامة الاحتلال الإسرائيلي، وصادقت بالقراءتين الثانية والثالثة على قانون اقتطاع مخصصات الشهداء والأسرى من العائدات الضريبية الفلسطينية.
وفي الوقت التي تسعى حكومة الاحتلال إلى قرصنة الأموال الفلسطينية كلما اقتضت الحاجة، وكلما شعرت بنجاح أي تحرك دبلوماسي فلسطيني على الساحة الدولية، تضغط الولايات المتحدة لتمرير صفقة القرن المشبوهة التي لا تلبي الحد الأدنى من آمال وتطلعات شعبنا في الدولة والحرية والاستقلال وإنهاء الاحتلال، إلى جانب كونها مخالفة للاتفاقيات والقوانين والمواثيق الدولية وتجاوزا للقانون الدولي، والذي تزامن مع قرار استراليا وقف الدعم المقدم لفلسطين.
ويرى مدير عام معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) نبيل قسيس، أن قراري الولايات المتحدة واستراليا وقف الدعم الذي تزامن مع القانون الذي صادقت عليه الكنيست الإسرائيلية بشكل نهائي والذي يسمح باقتطاع جزء من عائدات الضرائب الفلسطينية، بالقيمة نفسها التي تدفعها السلطة الوطنية لذوي الشهداء والأسرى في سجون إسرائيل، هي حملة ضد الشعب الفلسطيني ولن تنجح لأنها مسألة حقوق وطنية، ان الموقف السياسي الفلسطيني ثابت ورافض للتنازل عن الحقوق.
وأضاف، ان الشعب الفلسطيني وخلال سنوات احتلاله عانى من غياب التنمية الاقتصادية التي هدفت الى استمرار السيطرة والتبعية الاقتصادية على الاحتلال وعملت على زيادة عناصر السيطرة.
وتابع، لدينا قدرة على إدارة مؤسساتنا دون الاعتماد على المعونات الخارجية، وذلك من خلال "تقليص النمط الاستهلاكي"، وتحسين أدائنا بشكل يزيد من صلابة موقفنا امام التحديات الخارجية وبناء مؤسساتنا وقوانا ذاتيا، وذلك لأن القضية اليوم هي قضية أولويات، مشيرا إلى أن شعبنا سيواصل رفضه الرضوخ لأي ضغوط مقابل ثمن سياسي.
واشار الى انه يجب الاستمرار في المقاومة الشعبية السلمية، والعمل على التواصل مع المجتمع الدولي لتوفير الدعم الدولي من حكومات الدول التي تؤمن بحق الشعب الفلسطيني في التحرر.
وأوضح ان اسرائيل استخدمت نفس السياسة ورفضت تحويل اموال المقاصة اكثر من مرة، كما قررت في وقت سابق دفع فواتير شركات الكهرباء وشركات الادوية الاسرائيلية من اموال المقاصة، مؤكدا ان هذه الاجراءات هي سطو وسرقة للمقاصة التي تقتطع 3% منها لإسرائيل مقابل جبايتها لأموال الضرائب واسرائيل بذلك تعتدي وتسرق الاموال الفلسطينية.
ولفت الى ان التدخل في وقف دفع مخصصات الاسرى والجرحى والشهداء هو أمر مرفوض، لأنه عقد اجتماعي بين الدولة والمواطن، ولا يحق لاحد ان يتدخل فيه، الا في حال اشتراطه صرف دعمه "امواله" في مجالات معينة وقبولنا بذلك.
واشار الى ان منظمة التحرير لديها التزامات منذ تأسيسها، وكانت تتعرض للضغط والعمل على تجفيف مصادرها حتى قبل تأسيس السلطة الوطنية، وكان من الضرورة ايجاد طرق لتلبية الالتزامات، وعانينا من الاجراءات المضادة التي كانت موجودة آنذاك، لكن المنظمة لم ترضخ، والان تشهد الاوضاع تصاعدا في حدة المواقف الدولية مع زيادة الضغط الاسرائيلي وتفاقم المشروع الصهيوني، مشيرا الى ان الرئيس الشهيد ياسر عرفات تعرض في لبنان الى الحصار كما تعرض الى حصار سياسي واقتصادي، وان الاراضي الفلسطينية كلها محاصرة والاجراءات الاسرائيلية مفروضة على كل شيء.
من جهتها قالت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي، ان القانون الخاص بخصم مخصصات الاسرى والجرحى من اموال المقاصة الذي صادقت عليه الكنيست، هو انتهاك لميثاق جنيف الرابع وللمعاهدات الدولية، حيث ان من يحتجز الاسرى عليه مسؤولية الحفاظ على حياتهم ومعيشتهم، كما يتعارض مع اتفاقية باريس التي أخلت بها اسرائيل واعطت لنفسها صلاحية التواصل المباشر مع العالم لأنها قوة احتلال، واستغلت ذلك لتحويلنا الى مستهلكين للبضائع والسلع الاسرائيلية، وكانت اموال المقاصة ربحا دائما بالنسبة لها.
وأضافت، ان قرار الولايات المتحدة واستراليا وقف دعم فلسطين هو محاولة ابتزاز رخيصة تبنتها اسرائيل وجندت اميركا واستراليا نفسيهما لخدمتها وسمحتا لنفسيهما ان يكونا اداة لخدمة المشروع الصهيوني، وهي بذلك تهدف الى تحقيق الاستسلام التام للاحتلال من خلال رفض أي مقاومة او رأي او موقف ضده.
ودعت الى التوجه الى محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات لوقف اجرام اسرائيل والمطالبة بالتحكيم الدولي، وان تشكل الدول العربية شبكة امان وان تتحرك على المستوى الدولي وان تلبي ما عليها من التزامات مالية لفلسطين تدعم الدول العربية فلسطين، والا تترك فلسطين تحت رحمة اسرائيل.
من جهته يرى خبير القانون الدولي حنا عيسى، ان اقتطاع اسرائيل من اموال الضرائب الفلسطينية هي جريمة حرب حسب المادة الثامنة من الفقرة "ب"، والتي تنص على "انه لا يجوز على دولة الاحتلال ان تحرم شعبا من حقوقه المعيشية". كما تتعارض ايضا مع نص المادتين 85 و91 من اتفاقية جنيف الرابعة 1949 التي تنص على انه يجب توفير اللازم والعناية اللازمة للأسير خلال الاعتقال، وهي ملزمة بمعونة اسرته لأنه عاطل عن العمل.
واوضح ان اسرائيل بخصم مخصصات الاسرى والشهداء من اموال الضرائب تتعارض مع القانون الدولي الانساني، واتفاقية جنيف الرابعة 1949 والبروتوكول الاول الملحق باتفاقية 1977، كما تتعارض مع الاتفاقية المرحلية الموقعة في ايلول 1995 بين اسرائيل ومنظمة التحرير التي تنص على ان الضرائب التي تجبيها اسرائيل يجب تحويلها للسلطة الوطنية. مؤكدا ان التصرف في اموال الضرائب قرصنة وجريمة ذات طابع دولي حسب الاتفاق الموقع.
وفيما يخص قرار اميركا واستراليا وقف المساعدات التي تقدمها الى فلسطين، قال عيسى: ان وقف المساعدات فهي معاملة غير انسانية، وهي ضد الشعب الفلسطينية وضد قضيته العادلة، وتتنافى مع ما هو متعارف عليه من ان الدول الاقوى اقتصاديا تلتزم بدعم الدول الفقيرة او التي تناضل من اجل تحرره.
واكد أن صفقة القرن تهدف الى هضم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتتناقض مع قواعد القانون الدولي ومع قرارات الشرعية الدولية ذات الشأن، وقرارات الامم المتحدة التي تنص على انه لا يجوز الاستيلاء على اراضي الغير بالقوة كما جرى في حزيران 1967، والتي وافقت عليها امريكا واستراليا، وهي التي صاغت قرارات مجلس الامن واكدت ان الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة ارض محتلة.
وفي اول ردود الافعال اعتبر النواب العرب في الكنيست القانون عقاب جماعي للفلسطينيين ومحاولة للنيل من عزيمتهم في مواجهة الاحتلال، وتم اعتماد القانون بالقراءتين الثانية والثالثة ليصبح نافذا بأغلبية 87 صوتا ومعارضة 15.
كما قال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات، في المؤتمر الصحفي الذي عقده امس إن القيادة ستواصل دفع رواتب الأسرى، وأسر الشهداء والجرحى، رغم قرار سلطات الاحتلال باقتطاع مخصصاتهم من عوائد ضرائب السلطة الوطنية، إن القرار الاسرائيلي يعني بأن حكومة نتنياهو تعتبر ان السلطة الوطنية الفلسطينية لم تعد قائمة، مؤكدا أن القيادة وجدت لخدمة شعبنا ولن تسمح لأي جهة كانت بابتزازها، وخاصة في أموالها.
واشار إلى أن اقتطاع مخصصات الأسرى والشهداء الجرحى مخالف للمادة 81 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تنص على حث الدول الحاجزة على تحمل مسؤولياتها اتجاه الأسرى وتوفير الرعاية الطبية لهم، وألا تخصم أي شيء من مصاريفهم، وأن تعيل عائلاتهم.
وعن وقف المساعدات الاميركية قال، إن إدارة ترمب تقوم بقطع 70% من المساعدات لوكالة "الأونروا"، ومن ثم تعقد مؤتمرا في واشنطن تتباكى فيه على الوضع الانساني في غزة، رغم علمهم بأن 80% من سكان غزة يستفيدون من هذه المساعدات، كما أن الوفود الأميركية تذهب إلى الدول المضيفة للاجئين، وتعرض عليهم مساعدة مباشرة من خلال حكوماتهم للاجئين دون العودة للأونروا في خطوة من أجل إسقاطها وتصفية قضية اللاجئين.
وكانت وزيرة خارجية استراليا جولي بيشوف اعلنت عن وقف تحويل المساعدات المالية المباشرة الى السلطة الوطنية بسبب "تخوفات من أن هذه الأموال تصل الى عائلات الأسرى الفلسطينيين ومنفذي العمليات" ضد الأهداف الإسرائيلية على خلفية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
يشار الى ان حجم الدعم الاسترالي يبلغ 10 ملايين دولار استرالي يتم تحويلها سنويا من الحكومة الأسترالية لصندوق دعم للفلسطينيين الذي أقامه البنك الدولي.
كما صادقت لجنة "الخارجية والأمن" التابعة للكنيست الإسرائيلية، بشكلٍ نهائي بالقراءتين الثانية والثالثة، الاسبوع الماضي على "قانون خصم رواتب الأسرى والشهداء من عائدات الضرائب الفلسطينية"، وتدعي إسرائيل إنه سيتم تحويل هذه الأموال إلى صندوق معد لهذا الغرض، يهدف إلى تمويل قضايا تعويضات ترفع ضد فلسطينيين من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة.