"رش المبيدات" سلاح اسرائيلي لسلب المزارع لقمة عيشه
زكريا المدهون
أتلفت طائرة اسرائيلية صغيرة، مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية التي يملكها خليل الفجم شرق بلدة عبسان الكبيرة جنوب قطاع غزة، وحرمته من مصدر رزقه الوحيد.
قبل أشهر رشت طائرة زراعية اسرائيلية خمسة وثلاثين دونما كانت مزروعة بـ (البقدونس والسبانخ والبازيلاء والكوسا) في المنطقة المقيد الوصول اليها (العازلة) التي صنعتها قوات الاحتلال بالقوة العسكرية.
وتتذرع قوات الاحتلال الاسرائيلي بقيامها برش الأراضي الزراعية الفلسطينية بدواع أمنية للقضاء على الأعشاب البرية التي تحجب الرؤية على طول الحدود الشمالية والشرقية لقطاع غزة المحاصر منذ أكثر من أحد عشر عاماً.
المزارع الفجم يرفض المزاعم الاسرائيلية التي هدفها حسب قوله: "محاربة المزارع الفلسطيني في لقمة عيشه"، مشيرا الى أنه يبحث حاليا عن عمل لإعالة أفراد اسرته العشرة.
صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية في عددها الصادر الخميس الماضي، نشرت تقريراً حول استخدام اسرائيل مبيدات ذات تأثيرات خطيرة في منطقة الخط الفاصل لمنع النباتات من النمو وابقاء المنطقة فارغة ليتسنى لقوات الجيش مراقبتها بشكل جيد.
وقالت الصحيفة: "إن اسرائيل تستخدم مبيد الغليفوسات في رش الأراضي الزراعية في الجانب الفلسطيني".
ووفقا للموسوعة الحرة "ويكيبيديا" على شبكة الانترنت، فإن الغليفوسات (بالإنجليزية: Glyphosate) هو مبيد أعشاب ضارة مستخدم على نطاق واسع، وخصوصاً الأعشاب عريضة الأوراق الموسمية والتي تُنافس المحاصيل الزراعية. وهو مركب فسفور عضوي، تم اكتشافه من قِبل الكيميائي الأميركي جون فرانز في شركة مونسانتو سنة 1970.
ويوضح المزارع الفجم لـ "وفا"، أنه بعد رش الطائرة الاسرائيلية لمزروعاته انتشر بها نقاط صفراء صغيرة كبرت بعد ذلك وفي اليوم الرابع اصفرت كليا وماتت.
ويتابع: "المبيدات الاسرائيلية سامة جدا وهي تؤثر على كل شيء"، لافتا الى أنه يمنع اطعام النباتات التالفة حتى للحيوانات.
وحسب جهات الاختصاص، فإن المنطقة العازلة تشكل حوالي25% من مساحة قطاع غزة الزراعية التي تعّد مصدر الغذاء الرئيس للغزيين.
ونص اتفاق أوسلو الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، على تحديد حزام أمني ضيق بعرض 50 مترا على طول 58 كيلو متر من الحدود الشمالية الغربية للقطاع وحتى منطقة شرق رفح جنوبا.
وبعد الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من قطاع غزة عام 2005، اتسع نطاق ما يسمى "المنطقة العازل"'، وبلغ ذروته بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2008 ليصل إلى كيلومترين.
المهندس في وزارة الزراعة سعيد الكفارنة، أوضح أنه بعد حرب 2014 تقوم طائرات الاحتلال برش الأراضي الحدودية بالمبيدات العشبية على طول الشريط الحدودي، بحجة قتل الأعشاب التي تحجب رؤية أي تحرك على الحدود.
وتابع في تصريح لـ "وفا": "تجري عمليات الرش في شهري 12و4 من كل عام، وأن رذاذ هذه المبيدات يصل الى مسافة تزيد عن 1200متر للداخل باتجاه القطاع وهذا يؤدي لحرق المزروعات وتكبد المزارعين خسائر فادحة.
وكشف أنه بعد الفحص تبّين أن المبيد المستخدم في الرش هو "مبيد الأوكسى جال ومبيد الجلايفوس وهذه مبيدات أعشاب تحرق المجموع الخضري للمزروعات ومنها (البقدونس، السبانخ، الجرادة) وهذه المبيدات لها أضرار معنوية ومادية مباشرة على المواطنين في القطاع.
وأكد الكفارنة، أن المزروعات على الشريط الحدودي تشكل ما يقارب25% من احتياج القطاع للخضار خصوصاً المزروعات الورقية، مضيفا نحن في وزارة الزراعة نرصد هذه الممارسات والانتهاكات التي يقوم بها الاحتلال على حدود قطاع غزة.
في عام 2017 أصدر مركز الميزان لحقوق الانسان في غزة ورقة حقائق حول رش اسرائيل لتلك المبيدات قدّر فيها مساحة الحقول الزراعية التي تضررت جرّاء عمليات الرش خلال كانون الثاني/ يناير من العام الماضي بحوالي(2848) دونما، حيث إن الطائرات الزراعية الحديثة يمكنها حمل ما بين (400-800) جالون من المبيدات، وتتحرك مسافة (120-160) ميلاً في الساعة.
وحسب ورقة الحقائق التي حصلت "وفا" على نسخة منها، يتسبب رش المبيدات الكيمياوية في إتلاف وتشويه بعض المحاصيل وتغيّر لونها، ويظهر ذلك بوضوح على المحاصيل الورقية مثل: (السبانخ -البقدونس-السلق-الجرجير).
كما تتضرر خلايا النحل، والتربة، ولا تتوقف خطورة عمليات الرش بأنها فجائية بدون تحذير أو إنذار، بل أيضاً المادة المستخدمة مجهولة فترة الأمان.
ويؤكد المركز الحقوقي، أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تدعي أن الرش الجوي للمبيدات الكيماوية يهدف إلى القضاء على النباتات البرية المحاذية للسياج الفاصل لدواعي (أمنية)، مشيرا الى أن قوات الاحتلال تقضي على النباتات والأشجار المحاذية لحدود الفصل من خلال عمليات: " التجريف والتمشيط وتقليب التربة بواسطة الجرافات، وجنازير الدبابات".
من جهته، أكد المزارع سلامة مهنا من بلدة القرارة جنوب قطاع غزة، أن قوات الاحتلال تتعمد القيام بالرش عندما تكون الرياح شرقية غربية لإيصال المبيدات الى أكبر مسافة داخل الأراضي الفلسطينية وعدم الحق الضرر بالحقول الاسرائيلي في الجانب الآخر من الحدود.
وأضاف لـ"وفا"، أن عمليات الرش ألتفت محاصيل السبانخ والكوسا التي كان يزرعها على مساحة تسعة دونمات وبالتالي تكبّد خسائر فادحة وعدم مقدرته على اعالة 22 فردا من أفراد عائلته، مشيرا الى أن أرضه الزراعة تبعد عن الحدود مسافة 900 متر.
ويقول مركز الميزان الحقوقي، "تحلقّ الطائرات على ارتفاع منخفض، وتتوغل في أجواء القطاع لمسافة تصل أحياناً إلى حوالي (400) متر فوق أراضي المواطنين الزراعية، ويغطي رذاذ الرش المتطاير مساحات واسعة تتراوح بين (700م -1200م)، وتشكل سرعة الرياح واتجاهاتها عوامل مهمة في توسيع النطاق.
أُخضعت عينة من نبات السلق التي تعرضت للرش في المناطق الحدودية للفحص المخبري من قِبل وزارة الزراعة بغزة مطلع العام الماضي واتضح أن نبتة السلق عليها مادة كيميائية تسمى (أوكسي جال Oxygal).
وتعتبر مادة: (أوكسي جال Oxygal) –ذات التركيب العلمي (Oxyfluorfen)- من المبيدات النباتية التي تمنع النمو، وفي كل دول العالم يتم إرفاق دليل (MSDS) بالمادة المصنعة من هذه المبيدات توضح درجة سمية هذه المادة، وطرق التعامل معها، وطرق التخزين، وطرق استعمالها والمحاذير للوقاية من مضاعفات استخدامها، ووفقاً للدليل الإرشادي (MSDS) الصادر عن المصنع المنتج لمادة (أوكسي جال Oxygal) في (إسرائيل)، أوضحت أنها تسبب حالة من الهيجان الشديد عند تعرض العين أو الجلد لها بالتالي يجب أن تُستخدم بمحاذير محددة، ويجب أن تُستخدم بعد عزّل الكائنات الحية عن أماكن الرش.
كما اعتبرت ورقة الحقائق التي أصدرها مركز الميزان، "مادة: (أوكسي جال) خطيرة على الصحة حيث إن تناول الكائن الحيّ عن طريق الفم بكميات كبيرة لها علاقة بالوزن (فكل كائن حيّ وزنه كيلو إن تناول كمية 3000 ميلجرام) يصبح خطراً على حياته، وربما تكون المواشي التي ترعى في تلك المناطق عرضةً للخطر حال تناولت كميات كبيرة من العشب المصاب بـ (أوكسي جال) وتصبح معرضةً للخطر بدرجات متفاوتة منها ما هو حاد أو مزمن، وعموماً العديد من أنواع المبيدات النباتية صنفت أنها مواد مسرطنة، أو مسببة للعيوب الخلقية، لذلك العديد من الجهات العلمية على المستوى الدولي حرّمت بعض هذه المركبات والعناصر."
ونقل المركز الحقوقي عن أحد المزارعين قوله: "إن المراعي أصبحت خطيرةً حيث يؤثر العشب المصاب بالرش على حياة ونسل الأغنام وتحديداً أنثى الماعز التي ولدت أجنة مصابة بتشوهات خُلقية، ونفوق بعضهن في وقت لاحق، كما حصلت عمليات إجهاض ونزول الجنين ميتاً في بعض الحالات."
المركز الحقوقي، أوضح أن معدل التجمع الحيوي (Bioaccumulation) لمادة (أوكسي جال Oxygal)، ومدة مكوثها في التربة تمتد إلى (60-80) يوماً، الأمر الذي يعني بقاء المادة لفترة طويلة لتعذر تحللها، وهذا من شأنه أن يؤثر على التربة وجودتها.
كشفت وثيقة حصل عليها مركز الميزان من وزارة الزراعة، أن مستوى مادة (Oxyfluorfen) المسموح أن يلامس النبتة يجب ألا يتجاوز (0.05 mg/kg)، بينما أظهرت نتائج الفحوصات المخبرية أن الكمية على بعض النباتات بلغت (0.08 mg/kg). وهذا من شأنه أن يؤثر على النبات والكائنات الحية حال تم تناولها بكميات كبيرة، بخاصةٍ الأغنام التي تتخذ من تلك المناطق مراعى لها، وهي تحتل المرتبة الثانية من اللحوم الحمراء المستهلكة في قطاع غزة بعد الأبقار وتشكل مصدراً للألبان، والجبن، وتوفر الغذاء والبروتينات.
من جانبه، أكد عميد كلية الزراعة في جامعة الأزهر أحمد أبو شعبان، أن المناطق الحدودية الشرقية (المنطقة العازلة) تحتوي على ثلث الأراضي الزراعية في قطاع غزة، مؤكدا أن قوات الاحتلال تتذرع بحجج أمنية لرش الأراضي الزراعية الحدودية.
وأضاف لـ "وفا"، أن المبيدات تقتل النباتات بشكل أساسي وبالتالي تخلف أثاراً كارثية على المزارعين وتكبدهم خسائر كبيرة، مشيرا الى أن عمليات الرش التي تحدث بدون تنسيق مع الجانب الفلسطيني هي جريمة يرتكبها الاحتلال الاسرائيلي بحق المزارعين الفلسطينيين.
المهندس الزراعي مصطفى الفيومي من الإغاثة الزراعية، بين أن تأثير عمليات الرش الاسرائيلية يزداد عندما تكون الرياح شرقية/ غربية، مشيرا الى أن قوات الاحتلال تستخدم في عمليات الرش خليطا غير معروف فهناك مبيدات تقضي على المجموع النباتي.
وقال الفيومي: "درجة السمية غير معروفة في تلك المبيدات لا يوجد لدينا مختبرات متطورة لفحصها، محذرا من أن الممارسات الاسرائيلية لها انعكاسات سلبية على الأمن الغائي ومقومات الصمود للمزارعين، وهي ضمن مخططات الاحتلال الممنهجة والمدروسة لتهجيرهم من أراضيهم.