"الخارجية والمغتربين" تتساءل: هل تملك الدول الأوروبية ما يكفي من الجرأة للتلويح بالعقوبات على إسرائيل
ما زالت سلطات الاحتلال الإسرائيلي مصرة على تنفيذها لقرارها بهدم قرية الخان الأحمر البدوية، غير آبهةٍ بدعوات عديد الدول، والأوروبية منها خاصة، بوقف إجراءات الهدم والنزوح ومطالبتها لإسرائيل باحترام التزاماتها وفق اتفاقيات جنيف والتي تحظر نقل السكان الأصليين رُغما عنهم، أو هدم منازلهم وأماكن سكناهم.
ورغم تضامن الدبلوماسيين الأوروبيين مع سكان القرية البدوية، ورغم الرسائل والاحتجاجات التي صدرت عن أكثر من عاصمة أوروبية، إلا أن دولة الاحتلال مصممة على المضي قُدما باستراتيجيتها الهادفة للقضاء على فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة والمتواصلة جغرافيا، عبر استمرار البناء الاستيطاني غير القانوني أو الشرعي وخاصة في منطقة "E1"، الهادفة لفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، وتوسيع التجمع الاستيطاني "معالي أدوميم" وربطه بمستوطنات مدينة القدس المحتلة.
المعركة الآن انحصرت بشكل واضح في الموقف الاحتلالي الذي يستغل كل أنظمته وقوانينه لتمرير مخططه، فيضغط على المحكمة العليا الإسرائيلية لتمرير هذا القرار، متوافقا مع قرارها بالتأجيل لأيام لإعطاء الانطباع الدولي أن هناك قانونا في دولة الاحتلال يحترمه الجميع، وأن المحكمة العليا الإسرائيلية لا تخضع لأي ابتزاز إسرائيلي، بينما أن حقيقة الأمر عكس ذلك تماما، فالمحكمة العليا ما هي إلا ذراع تنفيذي لسياسات الاحتلال الاستيطاني، فهي تمرر وبشكل قانوني كل سياسات الدولة الاحتلالية الاستيطانية بغطاء قانوني، من أجل تخفيف حدة الانتقادات الدولية عليها. وهذا ما نشهده هذه الأيام من خطوات بهلوانية تشرف عليها حكومة الاحتلال مُعطية الانطباع للدبلوماسيين الأوروبيين أن عليهم احترام قرارات المحكمة حتى لو صدرت لاحقا بشكل يخالف القانون الدولي، وبالتالي سيأتي الضغط الأوروبي على الفلسطينيين لقبول ما قبلوا بقراراته عندما قرروا التوجه لتلك المحكمة واعتمادها حكما بينهم وبين سلطات الاحتلال.
وأمام هذا الحال، ومعرفتنا المسبقة أن قرار المحكمة سيأتي قريبا لتنفيذ مخططات الاحتلال بهدم قرية الخان الأحمر ونقل قاطنيها لموقع آخر لتمرير المخطط الاستيطاني الكولونيالي الأكبر، لم يعد أمامنا إلا مطالبة الدول الأوروبية تحديدا ودول العالم عموما، باعتماد قرار التهديد بفرض عقوبات جدّية على دولة الاحتلال في حال إقدامها على تنفيذ خطتها الاستيطانية المخالفة للقانون الدولي ولاتفاقيات جنيف الأربعة.
يجب على الدول الأوروبية التفكير خارج الإطار التقليدي والتفكير بطبيعة الإجراءات الممكن التلويح بها لإجبار اسرائيل لوقف تنفيذ تلك السياسات التي تقف الدول الأوروبية بحزم أمامها.
إن التلويح بفرض عقوبات على دولة الاحتلال أصبح المسار الوحيد المتبقي أمام هذه الدول إن أرادت فعلا وحقيقة الوقوف بحزم أمام انتهاكات اسرائيل لحقوق الشعب الفلسطيني. لم يعد من مفر أمام الدول الأوروبية إلا التلويح بفرض العقوبات إن أرادت أن تبدي صدقية في الموقف، والتزاما في المبادئ وإخلاصا في الادعاءات واحتراما لبياناتها المتكررة والتي لم تعد تؤثر على دولة الاحتلال في شيء.
فهل تجرؤ الدول الأوروبية على التلويح، ونقول فقط التلويح، بفرض عقوبات على دولة الاحتلال في حال أصرَّت الأخيرة على تنفيذها مخططاتها الاستيطانية الكولونيالية؟ وهل سيكون للدول الأوروبية نفس الجرأة التي أظهرتها أمام إصرارها على فرض عقوبات على روسيا بسبب شبه جزيرة القرم؟ أم ازدواجية المعايير ستكون معيار عمل هذه الدول؟ لم يعد أمامنا الكثير من الوقت، فإما أن تخرج هذه الدول عن صمتها وتملك ما يكفي من الشجاعة، وتعكس مواقف شعوبها الداعمة لفرض عقوبات على دولة الاحتلال، أو تبقى هذه الدول تكتفي بإصدار البيانات الشاجبة دون اتخاذ أي موقف حيال دولة الاحتلال، كون إسرائيل تتمتع بالمناعة التامة من العقوبات، أو المحاسبة على إجراءاتها بعكس بقية دول العالم.