تخاريف العنصرية
كتب: رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة"
من أين لإسرائيل اليمين العنصري المتطرف أن تؤلف أمة وتتوحد و"قانون القومية" الذي أقره الكنيست الاسرائيلي لن يساوي بعد قليل بين اليهود أنفسهم ..!!! وكلمة السر في هذا الإطار ان اليهود انفسهم ليسوا من قومية واحدة ومنبت واحد، والدين عقيدة وليس هوية، عقيدة لم تغير يوما من السمات المشتركة لقومية من القوميات أي شيء ولم تبدل أيا من عاداتها وتقاليدها الاجتماعية، ووحدة مذاقاتها التي تعرف بها وتؤكد هويتها الطبيعية على نحو واقعي بليغ، دونما أية تنظيرات فكرية او فلسفية، لهذا نعرف مثلا الشاي الثقيل بأنه شاي عراقي، والميرمية بأنها فلسطينية، والبيتزا ايطالية، وهناك المطعم الصيني ولكن هل ثمة مطعم يهودي...؟ ولا شك ان اليهودي الروسي في اسرائيل يفضل "الفودكا" على أي مشروب آخر، واليهودي العراقي يأكل البامية كما كان يأكلها في بغداد، ويشرب الشاي كما كان يشربه هناك، والتفاصيل تطول مع الهويات المختلفة ليهود اسرائيل القادمين من هويات مختلفة، وما زال الاشكناز والسفارديم والمزراحيون على خلاف وتضاد في المذاقات والعادات والتقاليد، وثمة عنصرية تطال كل مجموعة من هذه المجموعات بهذا القدر او ذاك، لكنها في المحصلة العنصرية التي سيعمقها "قانون القومية" الذي نقول إنه ليس بوسعه توحيد اسرائيل في قومية مفبركة، وانه لن يساوي بين اليهود أنفسهم، لأنه في الأساس نتاج الأشكناز الغربي المهيمن على سلطة القرار في اسرائيل بنخبه المتعددة، ولأن غايته الأساسية ليس تأليف أمة وإنتاج قومية، وانما محاولة انقاذ المشروع الصهيوني الغربي، وانقاذ روايته المفبركة، بعدما باتت موضع شك ومساءلة حتى داخل اسرائيل، وبعدما باتت الرواية الفلسطينية أكثر حضورا في المجتع الدولي وبين الأمم بقضيتها العادلة وضرورة حلها حلا عادلا .
لن يكون بوسع هذا القانون تزوير التاريخ وتخليق هوية مغايرة لفلسطين وطبيعتها ولن يكون بوسعه تأبيد الاحتلال الذي لم يستطع طوال الستين سنة الماضية النيل من طعم الميرمية الذي يظل فلسطينيا، ولعل سطوه على العديد من أيقونات التراث الفلسطيني، دليل على فشله في تأليف وحدة مذاقات وجماليات مكانية وتراثية لجماعاته المختلفة ..!! لن يرهبنا هذا "القانون" لكن هذا لايعني أننا لانعي خطورته، وأننا لن نتصدى له ولأهدافه الاحتلالية خاصة الاستيطانية، لأننا لن نتراجع عن المضي في مسيرة الحرية والتحرر، وما من قانون مهما كانت أسلحته قادر على تأبيد الاحتلال خاصة وهو يواجه شعبا قراره الحاسم إزالة الاحتلال طال الزمن أم قصر.
ولنا هنا أن نعيد ما قاله شاعرنا الكبير محمود درويش في رائعته " مأساة النرجس ملهاة الفضة (جبل على بحر/ وخلف الذكريات بحيرتان/ وساحل للأنبياء/ وشارع لروائح الليمون/ لم تصب البلاد بأي سوء/ هبت رياح الخيل/ والهكسوس هبوا/ والتتار مقنعين وسافرين/ وخلدوا أسماءهم بالرمح أوبالمنجنيق وسافروا/ لم يحرموا ابريل من عاداته : يلد الزهور من الصخور/ ولزهرة الليمون اجراس/ ولم يصب التراب بأي سوء أي سوء أي سوء بعدهم) ولهذا نعرف ونصدق ونثق ونؤمن كما رحل الغزاة الهكسوس وغيرهم، وظل ابريل على عاداته ولزهرة الليمون اجراسها والتراب على حاله وقد تعطر اكثر بدم الشهداء البررة، سيرحل الغزاة أصحاب المشروع الصهيوني، وفلسطين لا ترحل وهي لم تصب بأي سوء في تاريخها ومعانيها وتطلعاتها الإنسانية العادلة والمشروعة.