الخان الأحمر.. حكاية قرية تجابه "اغتيالها"!
بلال غيث كسوني
.......
كثيرة هي المدن والقرى التي جرى «اغتيالها»، وقليلة تلك التي لم تطالها عملية الاغتيال عبر عصورها المختلفة على أيدي محتليها، غير أن لقرية الخان الأحمر، حكاية اغتيال أخرى مختلفة.
"أنقذوا الخان الأحمر، أنقذوا القدس والأقصى، صامدون لن نرحل.. بصمودنا هنا نقاوم الاستيطان..."، شعارات رفعها متضامنون فوق خيام الاعتصام في قرية الخان الأحمر شرق القدس المحتلة.
هناك.. متضامنون ومناصرون أجانب، ومسؤولون، وممثلو فعاليات وطنية مختلفة، جنبا الى جنب مع أهالي القرية من فلاحين ومزارعين بسطاء، يسطرون معنى مختلفا للصمود والبطولة في مواجهة المخططات الاسرائيلية الرامية الى ترحيلهم عن أراضيهم وممتلكاتهم، مفشلين بذلك مرحلة جديدة انتقل الاحتلال إليها في التعامل مع شعبنا الفلسطيني، تتمثل في هدم قرى بأكملها وليس منازل هنا وهناك.
على الأرض الشاسعة والقاحلة والعطشى معظم أيام السنة.. هناك شرق القدس المحتلة، تقع قرية الخان الأحمر المتواضعة و"البدائية"، حيث تسجل بضع عشرات من العائلات فقط منذ سنوات عديدة، فصولا خاصة في عملية المواجهة مع البرنامج الاستيطاني الإسرائيلي، وتواجه بجسارة قسوة المحاولات التي تستهدف إجبارهم على الرحيل من الأمكنة التي ارتبطوا بها ومعها سنين طويلة.
وفي الخان الأحمر التي تخشى هذه الأيام من "أنياب" الجرافات الاسرائيلية بعد قرار سلطات الاحتلال بهدمها لذراع "أمنية"، يرقب المواطنون (مواطنوها) وهم معلقون على خيط أمل، بأن تستجيب دولة الاحتلال للدعوات والتحذيرات الصادرة عن مجلس الاتحاد الأوروبي، وعن مؤسسات حقوقية محلية ودولية تعنى بمتابعة الأوضاع في الأرض الفلسطينية لوقف عملية الهدم والتطهير العرقي لسكانها.
الأهالي الذين يواصلون اعتصامهم لليوم الثامن والثلاثين على التوالي، يشيرون إلى أن الاحتلال يسعى لاقتلاع قريتهم المكونة مساكنها من بيوت من الصفيح والخيام، ومدرسة بنيت من الإطارات والطين.
الوصول إلى إحدى هذه القرى والتجمعات شرق القدس المحتلة، الواقعة بمحاذاة طريق القدس – أريحا، أشبه برحلة جبلية وعرة في صحراء قاحلة تمزقها الشوارع السريعة وشبكة الطرق الحديثة المفضية إلى المستوطنات اليهودية في تجمع غوش أدوميم الاستيطاني، حيث مستوطنات "معاليه أدوميم"، و"ميشور أدوميم"، و"كفار أدوميم"، بينما يضطر أطفال البدو ونساؤهم إلى سلوك الوديان الوعرة والخطرة معرضين أنفسهم لمخاطر الملاحقة من جنود الاحتلال، أو الموت دهسا من قبل مركبات المستوطنين ودوريات الجيش.
في قرية الخان الأحمر يتواجد 39 عائلة، وهي واحدة من 46 تجمعا تقع بين القدس وأريحا وسط الضفة الغربية، بينها 18 مهددة بالهدم في منطقي (E1)، حيث يقدر عدد المواطنين البدو القاطنين في تلك التجمعات بـ8 آلاف نسمة.
الوزير ليد عساف رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، قال لـ"وفا": "باقون في الخان الأحمر لأننا ندرك أن الاحتلال يسعى لارتكاب جريمة هنا عبر الانتقال من الهدم الفردي للبيوت الفلسطينية إلى الهدم الجماعي لقرى وترحيل سكانها".
وأضاف "منذ عام 1967 عندما هدمت قرى يالو وعمواس وبيت نوبا في منطقة اللطرون المحتلة لم تهدم قرى بأكملها، ونحن الآن على بعد مسافة قصيرة من مساعي الاحتلال لهدم ثماني قرى في الضفة على رأسها الخان الأحمر".
وقال "الاعتصام مستمر، ونجحنا في التصدي لجرافات الاحتلال، واعتقل 11 مناضلا، وأصيب 35 في تلك المواجهة الأولى وهي بداية النضال في قرية الخان الأحمر التي أضحت رمزا للصمود ولرفض الهدم والتهجير".
ورأى عساف أن الوجود الفلسطيني في الخان الأحمر هو رفض لمشروع التطهير العرقي، وهو تصد للجزء الميداني من صفقة القرن المشؤومة، والمتمثل في تجميع السكان في مناطق محددة لتسهيل السيطرة على الأرض الفلسطينية.
الحكومة تقف بكل كوادرها وطاقتها إلى جانب الأهالي في الخان الأحمر، وهنا قال وزير الحكم المحلي حسين الأعرج، إن الحكومة وضعت إمكانياتها لدعم الخان الأحمر.
وأضاف "بتعليمات واضحة من الرئيس محمود عباس نحن هنا في الخان الأحمر، فهي جزء من دولتنا الفلسطينية ولم يعد هناك بعد عام 1999 وجود للمرحلة الانتقالية ولا لتقسيمات المناطق (أ، ب، ج)، لذا أعلنا عن تأسيس وتشكيل مجلس قروي الخان الأحمر".
وتابع "نتطلع لمنطقة الخان الأحمر كمنطقة جذب استثماري ونحن سنعمل على وضع حقائق على الأرض تتلاءم مع النسيج الاجتماعي البدوي الذي هو جزء من النسيج الاجتماعي الفلسطيني".
وكشف الأعرج عن مساعي الحكومة لتطوير الخان الأحمر لتصبح "قرية الخان الأحمر الحرفية"، التي ستعنى بتطوير الحرف الصناعية البدوية لخلق مزيد من فرص العمل وجذب الاستثمار إلى هذه المنطقة من خلال المخطط الهيكلي لهذه القرية.
وقال الوكيل المساعد للشؤون الهندسية في وزارة الحكم المحلي أحمد غنيم إن مخططا هيكليا مساحته 85 دونما جرى إعداده لقرية الخان الأحمر، وهو نموذج لحالة المواجهة والصراع مع هذا المحتل".
في ذات السياق، محافظ القدس ووزيرها عدنان الحسيني، قال إن الخان الأحمر هي بوابة القدس الشرقية، والدفاع عنها هو دفاع عن القدس.
ورأى الحسيني أن ما يجري في الخان الأحمر يندرج في إطار محاولات إغلاق القدس وعزلها عن محيطها العربي والإسلامي، فالاحتلال ضاق ذرعا بالقرية الفلسطينية في الخان الأحمر، ونحن سنحمي هذه القرى ونواصل استخدامها لضرب الأطواق حول المستوطنات".
وأضاف "الاحتلال يستغل الضعف الدولي والعجز العربي، والدعم الأميركي اسهم في تشجيع إسرائيل على مواصلة ما تقوم به من عمليات تهويد، والتي باتت تهدد وجود أبناء شعبنا في القدس المحتلة وتهدد مقدساتنا ودولتنا المستقلة بعاصمتها القدس".
أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات، قال إن قانون القومية الذي تسعى إسرائيل لإقراره حاليا يسهم في تسريع عمليات تدمير القرى الفلسطينية على رأسها الخان الأحمر.
وتابع: هذا القانون هو الأخطر من إنشاء دولة إسرائيل في العام 1948، لأنه لم يحدد حدود الجغرافيا لإسرائيل وتركها مفتوحة ولا نعلم أن تريد أن تصل إسرائيل، بالإضافة إلى أنه أعطى حق تقرير المصير لليهود فقط، فمن هو غير يهودي مثلنا ليس له حق في تقرير مصيره إنما يقرر مصيره اليهودي".
كما يتهدد الهدم مدرسة خان الأحمر ويتعلم على مقاعدها 180 طالبا من التجمع ذاته والتجمعات المجاورة، بحسب عيد خميس رئيس مجلس قروي الخان الأحمر.
وأضاف "لجأ عرب الجهالين نتيجة التهجير عام 1948 إلى الضفة، ويعيشون في مناطق شبه قاحلة قادمين من منطقة تل عراد شرق بئر السبع".
ويتوزع عرب الجهالين في أربع مناطق أساسية هي: عناتا، ووادي أبو هندي، والخان الأحمر، والجبل، وترفض سلطات الاحتلال الاعتراف بوجودهم في هذه المناطق وتسعى لطردهم منها مجددا.
ha