معبر "كرم أبو سالم" والعودة للمربع الأول
سامي أبو سالم
........
خيم الصمت على مصنع "المدينة للمشروبات الخفيفة"، شرق مدينة غزة، وغابت أصوات العمال وضجيج "ماكنات" الإنتاج، وحل محلها زقزقة العصافير التي تتنقل بين خطوط الإنتاج بحُرية، بعد أن أغلق المصنع أبوابه "مؤقتا" بسبب إغلاق الاحتلال لمعبر "كرم أبو سالم" التجاري الوحيد مع قطاع غزة، ما أدى لشح مواد التصنيع الأولية.
وقال مدير المصنع عاهد مهدي إن المصنع يحوي 4 خطوط إنتاج، "يعمل منها اثنان منذ 2007 (بداية الحصار الإسرائيلي على غزة)، أما بعد قرار الإغلاق فيعمل واحد بفترة عمل واحدة بدل فترتين".
وأشار مهدي إلى أن 90 عاملا توقفوا عن العمل والسبب الرئيسي هو منع دخول ثاني أكسيد الكربون، وعبوات البلاستيك والسدادات".
ويوضح مهدي أن المصنع لا يستطيع تخزين كميات كبيرة للطوارئ، فتكلفة التخزين عالية لثاني أكسيد الكربون (الذي يُستخدم في صناعة المشروبات الخفيفة)، كما لا يمكن تخزينه لأكثر من أسبوعين.
وكانت قوات الاحتلال أغلقت معبر كرم أبو سالم التجاري في التاسع من شهر تموز/يوليو الجاري تمنع بموجبه دخول جميع أنواع البضائع باستثناء الأغذية والأدوية.
ما إن بدأت صناعة الملابس في غزة تتنفس الصعداء حتى جاء قرار إغلاق معبر كرم أبو سالم مفاجئا وهادما لما أعيد بناؤه، يقول رئيس اتحاد صناعات الملابس والنسيج تيسير الأستاذ.
وأشار الأستاذ في حديث لوكالة "وفا"، إلى أنه بعد قرار الاحتلال بالسماح بتصدير الملابس سنة 2014 عادت مصانع غزة تعمل بشكل جيد وتسوق منتجاتها في المحافظات الشمالية وداخل خط الهدنة.
"في غزة 170 مصنع ملابس بلغت قيمة المبيعات 10 ملايين دولار في 3 سنوات" قال الأستاذ. ولفت إلى أن مصانع غزة استعادت ثقة 52 شركة تصنيع داخل الخط الأخضر (كمتعاقد من الباطن) وبدأت العمل لها والآن الثقة أصيبت في مقتل.
وأشار الأستاذ إلى أن قطاع صناعة النسيج الذي يشغّل حوالي 2000 عامل أصيب بالشلل في وقت حساس، حيث موسم العام الدراسي الجديد وعيد الأضحى.
وقال رئيس اللجنة الرئاسية لتنسيق دخول البضائع لغزة رائد فتّوح، إن عدد الشاحنات الذي يدخل يوميا بعد الإغلاق شبه الكلي للمعبر بلغ حوالي 100 شاحنة، مقارنة بــ400 شاحنة ما قبل الإغلاق.
ولفت فتّوح إلى أن معدل دخول الشاحنات قبل "شح السيولة" بلغ من 800 إلى 1000 شاحنة يوميا.
وأشار إلى أن الاحتلال سمح بدخول الوقود بدءا من يوم الثلاثاء الماضي لكنه لا يزال مستمرا في منع تصدير جميع أنواع المنتجات من قطاع غزة لا سيما الزراعية منها.
محمد أبو يوسف، 20 عاما، من مخيم جباليا، ترك دراسة اللغة العربية وآدابها في الجامعة بسبب عدم تمكنه من دفع الرسوم، وبالكاد وجد فرصة عمل في حقل البناء ليساعد والده المريض في رعاية أسرته التي تتكون من 5 أفراد.
لكن أبو يوسف فقد عمله بسبب إغلاق المعبر، "المقاول طلب من العمال البقاء في البيت بسبب عدم وجود أسمنت، 9 عمال نبني عمارة جديدة الآن بانتظار مواد البناء"، قال أبو يوسف.
وهذا ما أكده تيسير أبو عيدة، صاحب مصنع للباطون شمال غزة، فقال إن مصنعه "شبه متوقف" بسبب منع دخول مواد البناء على رأسها الإسمنت والحصمة عبر كرم أبو سالم".
وأشار أبو عيدة إلى أن المصنع يعمل يومين في الأسبوع فقط بقوة 20% في أحسن الأحوال، "لقد بات المصنع عبئا على صاحبه"، كما يقول.
وأغلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي المعبر التجاري الرئيس "المنطار" عام 2011، وهو المعبر المجهّز بأحدث تقنيات النقل والشحن وفقا لمستوردين.
وبقي معبر كرم أبو سالم هو التجاري الوحيد، فيما أغلقت باقي المعابر عدا "بيت حانون" لمرور الأفراد وفق قيود صارمة يُسمح عبرها لحالات إنسانية ودولية بالمرور أحيانا.
وقال الباحث الفلسطيني توفيق حداد، إن إسرائيل استغلت التمويل الغربي لإنشاء المعابر للانفصال مؤسساتيا عن الجانب الفلسطيني لكن في نفس الوقت تستمر في السيطرة عليه.
وأشار حداد، صاحب كتاب "فلسطين المتحدة، النيوليبرالية والوطنية في الأراضي المحتلة 2016"، إلى أنه لا يستبعد أن السيطرة على المعابر خلقت مادة إحصائية معلوماتية مكّنت إسرائيل والممولين من تحوير هذه البيانات لتحدد عبرها نهايات سياسية بعينها بجانب تحديد من الجهة الفلسطينية السياسية أو غير السياسية التي ستستفيد من المعابر.
وقال مدير الإعلام في غرفة تجارة وصناعة غزة ماهر الطبَّاع، إن هذا الإغلاق شبه الكامل بمثابة إعادة غزة إلى المربع الأول لبدايات الحصار الذي فرضته دولة الاحتلال عام 2007.
وأشار الطباع في حديث لمراسل "وفا"، إلى أن "تجديد الحصار" يؤدي لانهيار قطاعات اقتصادية هامة على رأسها قطاع الإنشاءات، بسبب منع دخول مواد البناء.
وأضاف، "هذا يسبب خسائر فادحة على أكثر من جهة، منها أن التجار يدفعون بدل تخزين وأرضيات في الموانئ الإسرائيلية، ناهيك عن مواد أخرى ربما تنتهي صلاحيتها".
وأشار الطباع إلى أن منع دخول المواد الخام يؤدي لارتفاع الأسعار، والأهم تسريح آلاف العمال من المصانع، وارتفاع نسبة البطالة بسبب توقف الصناعات، كالنسيج والبلاستيك وباقي الصناعات "المتدهورة أصلا بسبب الحصار".
وتبلغ نسبة البطالة في قطاع غزة قبل الإغلاق الأخير، 48,2% من مجمل مجموع السكان الذي بلغ 1,900000 نسمة وفقا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
ha