حلوى الخان الأحمر مُرة
رشا حرزالله
قبل 37 عاما، نجا إبراهيم أبو داهوك من الموت بأعجوبة، عندما أصيب جراء انفجار، أدى لبتر في أصابع يده اليمنى، وحرمه من قبضها للأبد.
الحادية عشرة من صباح يوم الجمعة، منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1980م، كان أبو داهوك يرعى الأغنام في المنطقة القريبة من قريته الخان الأحمر شرق القدس المحتلة، التي كانت آنذاك مسرحا لعمليات تدريب عسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي بالذخيرة الحية، لإرعاب المواطنين، ودفعهم لترك منازلهم.
في أحد الايام، عثر أبو داهوك على قطعة حديدية غريبة الشكل ملقاة على الأرض، فدفعه فضوله الطفولي لتفحصها، وما أن أمسك بها حتى دوى انفجار عنيف في المنطقة، ليتبين لاحقا أنها لغم من مخلفات الاحتلال.
حينها، ظن أبو داهوك أن يده بترت من شدة الانفجار، وخشية من تعرضه للتحقيق والمساءلة من قبل الضابط الإسرائيلي المسؤول عن تلك المنطقة آنذاك، اخفى إصابته وربطها بعد ان مزق المعطف الذي كان يرتديه، وعاد إلى منزله مسرعا.
مرت أكثر من عشر ساعات على إصابته، وبقي والده يحاول نقله إلى إحدى مستشفيات مدينة أريحا. وعند منتصف الليل أخذه أحد أقربائه لمنزل ممرض قريب من المنطقة، والذي اضطر لاستخدام المياه الساخنة وقطب الجرح دون تخدير بسبب نقص المعدات والمواد. بقي أبو داهوك يعاني لأكثر من ثمانية أشهر قبل أن يلتئم جرحه.
يتحسس أبو داهوك الندب التي خلفتها الإصابة على يده ويحاول دون جدوى اغلاق قبضته، "أرأيتم، لا أستطيع ضم أصابعي"، يضغط بطرف إصبعه على راحة يده لتظهر إحدى شظايا الانفجار من أسفل الجلد، لونها مائل للأخضر.
مستلق على جانبه الأيمن فوق فرشة داخل مدرسة "الإطارات"، في قرية الخان الأحمر، المهددة بالهدم وترحيل سكانها، يتابع أبو داهوك حديثه بعد أن تناول رشفة قهوة: "إلى جانب هذه التشوهات التي ترونها، لا استطيع رفع الأشياء الثقيلة وأعاني آلاما في العمود الفقري، واخدرارا دائما في يدي المصابة، وأحيانا أفقد الإحساس بها لأسابيع".
عدد كبير من أقارب وجيران أبو داهوك أصبحوا معاقين بسبب الاحتلال، الذي وصل به الأمر إلى زرع متفجرات على هيئة علب حلوى.
محمود أبو داهوك هو الآخر فقد عينه وجزءا من قدرته على السمع، بعد ان التقط ما ظنه إصبع حلوى، ليتبين لاحقا أنه لغم ألقاه جيش الاحتلال في منطقة قريبة من مكان رعيه للأغنام.
يتذكر ابراهيم هذه الحادثة جيدا، كونه كان أول الواصلين إلى محمود لحظة انفجار "اصبع الحلوى"، حدث ذلك قبل خمس سنوات تقريبا، كانت جروحه خطيرة، وتتطلب علاجا عاجلا، حضر الإسعاف الإسرائيلي لكنه رفض تقديم العلاج، بعدها حضرت سيارة إسعاف فلسطينية نقلته إلى إحدى مستشفيات مدينة أريحا، وفي الطريق أوقفت شرطة احتلالية سيارة الاسعاف واحتجزتها لأكثر من نصف ساعة، بقي خلالها ينزف إلى أن فقد عينه.
حادثة مشابهة حصلت مع الشاب إسماعيل أبو داهوك، عندما لفت نظره قلم وجده في المنطقة التي كان يرعى فيها اغنامه، وما أن أزال عنه الغطاء وخط أول حرف على صخرة قريبة حتى انفجر، ما ادى إلى بتر أصابعه.
يؤكد ابراهيم أن 4 شهداء من العائلة ارتقوا نتيجة مخلفات الاحتلال.
هذه واحدة من الإجراءات التي يتبعها الاحتلال للتضييق على أهالي الخان الأحمر، ودفعهم لترك المنطقة لصالح الاستيطان.
وقرية الخان الأحمر التي تسكنها 41 عائلة فلسطينية، تجابه اليوم بكل قوة، قرارا احتلاليا بهدمها وترحيل سكانها وهدم عشرات المنشآت الزراعية التابعة لها.