الأكل عند معاوية أدسم
كتب: رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة"
في القاهرة تصدر الجبهة الديمقراطية بيانا إثر لقائها وفد حركة حماس قالت فيه ان اللقاء تناول بالبحث قضية التهدئة، وبعبارات البيانات الدعائية عن ضرورة الاجماع الوطني لتوفير التغطية (..!!) لهذا الموقف" لكن عضو مكتبها السياسي طلال أبو ظريفة في غزة، وفي كلمة له يوم أمس الأول في مسيرة العودة، وبالتعابير الحمساوية تقريبا، كذب بيان وفده القيادي معلنا ان "الاحتلال يبث دعايات مغرضة عن اتفاق تهدئة بينه وحماس، هدفها التأثير على الزخم الجماهيري لمسيرات العودة"...!!! وفي الوقت الذي باتت فيه العديد من تقارير الأنباء ومن مصادر مختلفة، تتحدث بتفاصيل اتفاق هدنة لا تهدئة فحسب، بين حماس والاحتلال الاسرائيلي، يطالب أبو ظريفة جماهير مسيرة العودة بألا تصدق شيئا من هذه التقارير وهو يصفها أنها دعايات مغرضة مصدرها الاحتلال...!!!
ولا يقول أبو ظريفة لماذا يبحث وفده القيادي مع حماس دعايات مغرضة..؟ وما هي الجدوى السياسية في البحث فيها؟؟ لكن على ما يبدو انها تلك المعادلة الانتهازية التي تقول: الأكل عند معاوية أدسم..!! وثمة أكل عند (معاوية) غزة، السلامة الأمنية، والهبات الإيرانية، ولا تعليق..!
لم يعد سرا أبدا ان حماس ماضية في طريق المساومة مع اسرائيل، في سبيل تكريس سلطتها الانقسامية في قطاع غزة، تحت يافطة "الهدنة" التي تريد تزيينها بإكسسوارات فصائلية..!! الهدنة التي بدأت المفاوضات بشأنها مع اسرائيل بشكل مباشر في "كفار سابا" قبل ثلاثة أشهر، وقبل تدخل القاهرة..!!
وهكذا بثلاثة أشهر فحسب من المفاوضات، تمضي حماس الى "مصالحة" مع اسرائيل..!! ونرى ان هذا المصطلح بات هو الأصوب من مصطلح "الهدنة" لتوصيف الاتفاق الاسرائيلي الحمساوي، المتوقع الإعلان عنه قريبا اذا ما بقي في إطاره اللاوطني وإكسسواراته الفصائلية .!! وسلاما على المصالحة الوطنية التي ظلت حماس تناور على مدار عشرة أعوام بهدف عدم تحقيقها..!! عشرة أعوام حمساوية ضد المصالحة الوطنية، وثلاثة أشهر فقط لا غير، لتصل حماس الى التصالح مع الاحتلال، مقابل ما يمكن وصفه بتسهيلات بنكية، من أجل قروض لتحسين أوضاعها السلطوية فحسب..!! وانها لقروض حقا لأن اسرائيل البنكية الأميركية هنا، لن تقدم هبات لحماس، ولن تعطيها شيئا لوجه الله دونما أي شك، وربما على حماس ان تقرأ اليوم حكاية "تاجر البندقية" لشكسبير لعلها تدرك ما عليها ان تدفع لسداد هذه القروض، خاصة وان "شايلوك" هذه المرة هو التاجر والمقاول دونالد ترامب..!!
لا نعرف اية شعارات ومصطلحات سينطوي عليها خطاب حماس بعد الآن، وقد توسلت المصالحة مع اسرائيل توسلا هو الأغرب من نوعه في التاريخ، فهو التوسل الذي أعطى فيه السائل للمسؤول الكثير الكثير، مقابل ان يحظى بالقليل القليل الحزبي والشخصي معا...!! وفي سياق هذا التوسل كانت حماس تدوس على دم الشهداء الضحايا من أهلنا في قطاع غزة المكلوم، الذين قضوا في مسيرات العودة وفي الحروب العدوانية الثلاث التي شنتها اسرائيل على القطاع، ولن ننسى أبدا مائة وخمسين شهيدا قضوا دفعة واحدة في رفح جراء القصف الاسرائيلي الوحشي.
لكن كل ذلك "دعايات مغرضة" طبقا لعضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية، التي لم يعد لديها من عمل سوى التنظير بخطاباته وبياناته الانتهازية من جهة، والرغائبية من جهة اخرى، هذه الجهة التي ما زالت الجبهة الديمقراطية ترى نفسها من خلاله، وترى انها ان لم تكن في "المطبخ السياسي"" الذي هو بالنسبة لها دائرة المغتربين فإن "النظام السياسي الفلسطيني بات في غرفة العناية الفائقة" ...!!! كما كتب احد كتابها في دفاعه الرغائبي عن بيان مكتبه السياسي صاحب بدعة "المطبخ السياسي" والذي برغم التمويه التنظيري أقر دون ان يدري أن الأمر بالنسبة للجبهة الديمقراطية يتعلق فعلا بدائرة المغتربين، ولو استحوذت عليها لكان النظام السياسي الفلسطيني بخير وعافية..!!
يبقى ان نشير الى ان وفد "الديمقراطية" الذي التقى في القاهرة وفد حماس لم يلتفت ان من بين أعضاء الوفد الحمساوي الناطق باسم حكومة الانقلاب طاهر النونو..!! وهذا يعني ان جملة بيانه عن ضرورة إنهاء الانقسام لا محل لها من الاعراب، سوى انها جملة محسنات دعائية للبيان..!! إذ كيف يمكن لأحد ان يصدق انه تم البحث الجدي في هذا اللقاء بضرورة إنهاء الانقسام، مع وجود الناطق باسم حكومة الانقسام..!! ونعتقد ان العاروري الذي ترأس وفد حماس أضاف النونو عمدا لوفده ليقول: ان "الديمقراطية" باتت على خط المناورة الحمساوية بهذا الشأن، ولها في غزة طلال أبو ظريفة لتوفير التغطيات الشعبوية لاتفاق التصالح الهدنوي...!!