ناجي العلي.. الاتجاه الصحيح في اللحظات الحادة
رام الله- يامن نوباني
31 عاما مرت على اغتيال ناجي العلي (1937-1987)، المولود في قرية الشجرة ما بين طبريا والناصرة في الجليل الفلسطيني، والشهيد في لندن، وما بينهما، عاش العلي حياة اللجوء والتشرد والنضال والصراخ عبر رسوماته في لبنان والكويت.
رسم العلي، آلام الناس، تأملاتهم وأحلامهم، حياة المخيم، مواقف ثورية حادة. وكانت رسوماته رواية كاملة لما تعرضت له فلسطين من احتلال وثورات ومنعطفات في كافة أشكال الحياة، وما شهدته السياسة والحالة الاجتماعية والاقتصادية والوطنية محليا وعربيا ودوليا، ما جعله عبقري الكاريكاتير منذ ستينيات القرن الماضي وحتى الأبد.
وصفه الاتحاد الدولي لناشري الصحف في باريس (الذي يضم ناشري صحف من 28 دولة) بأنه واحد من أعظم رسامي الكاريكاتير، وأنه استخدم رسومه لمهاجمة الاستبداد أينما رآه، ولهذا منحه جائزة "القلم الذهبي" الذي يمنحها سنويا دعما لحرية الصحافة، وهذه أول مرة يمنح جائزته لعربي والثانية التي يمنحها بعد الوفاة.
تعددت الروايات التي تناولت ميلاد طفل العلي، والمشهور ب"حنظلة"، فبحسب محمد كعوش في كتاب "ناجي العلي.. نبض لم يزل فينا"، ففي 25 نيسان 1960، أعتقل ناجي العلي مع مجموعة من القوميين العرب، ودخل سجن "ابلح" في لبنان، ليرسم في العتمة ومن خلف القضبان، أول صورة لحنظلة، على علبة سجائر.
وفي رواية أخرى لحسين نشوان وسميح مسعود، في ذات الكتاب: فإن العلي اخترع شخصية "حنظلة" عام 1969.
أياً كان تاريخ خلقه، اليوم، وبعد مرور أكثر من 50 سنة، على ولادته، ما زال حنظلة طفل، يحلم ويرفض ويقاتل ويفضح ويعاند.
يقول ناجي: "قدمته للقراء وأسميته حنظلة، كرمز للمرارة. وفي البداية قدمته كطفل فلسطيني، لكنه مع تطور وعيه أصبح له أفقه القومي ثم أفق كوني وإنساني.. وفي المراحل الأولى، رسمته ملتقيا وجها لوجه مع الناس، وكان يحمل الكلاشينكوف، وكان أيضا دائم الحركة وفاعلا وله دور حقيقي، يناقش باللغة العربية والانجليزية، بل أكثر من ذلك، فقد كان يلعب الكاراتيه.. يغني الزجل ويصرخ ويؤذن ويهمس ويبشر بالثورة".
هل سيكبر حنظلة؟ يقول ناجي: "سيظل في العاشرة حتى يعود الوطن. عندها فقط يكبر حنظلة، ويبدأ في النمو.. قوانين الطبيعة المعروفة لا تطبق عليه، إنه استثناء، لأن فقدان الوطن استثناء، وستصبح الأمور طبيعية حين يعود الوطن". ومتى يمكن رؤية حنظله؟ يجيب ناجي:" عندما تصبح الكرامة غير مهددة، وعندما يسترد الانسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته".
وجاء في "ناجي العلي.. نبض لم يزل فينا"، الذي شارك به 19 كاتبا ومهتما، وصدر في الأردن عام 2012: عبد العزيز السيد: "اذا الناس ما بدها اياني، سأكسر ريشتي"، قالها لي ناجي العلي حين التقيته أول مرة في بيروت عام 1980.
دفن الشهيد ناجي العلي في مقبرة بروك وود الاسلامية في لندن، وقبره يحمل الرقم 230190.
سليم النجار: كانت رسوماته مؤشرا يعكس المزاج الحاد للشعب الفلسطيني، وتصور الجانب النقدي للأوضاع الاجتماعية والسياسية المتفاوتة في المعيشة.
هشام عودة: ناجي العلي فنان مناضل قتلته شجاعته، المتتبع لآلاف الرسوم الكاريكاتيرية التي أبدعتها ريشة الفنان ناجي العلي، يستطيع ببساطة أن يقرأ سفر التاريخ الفلسطيني المعاصر، التاريخ الذي كتبه الفدائيون والمهمشون والمناضلون، ممهورا بدماء الشهداء. كنا ننحاز إلى رسوماته بلا تردد لأننا كنا نقرأ فيها شيئا من سيرتنا وسيرة الوطن في معاركه المستمرة.
أديب ناصر: وعندما تخترقه الرصاصات الجبانة وقد فعلت، يتقدم إلى الجدران حنظلة، هكذا أراده ناجي العلي.. ويكتب فلسطين بلادنا.
نضال القاسم: الطالعون من هذه الأرض كثيرون، ولكن الذين تبقى جذورهم ممتدة في أعماقها قلة، ورسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي، والملقب بضمير الثورة، والذي تميز بالنقد اللاذع في رسومه، والذي اغتيل في لندن على يد مجهول يوم الأربعاء 22-7-21987، وتوفي يوم 29-8-1987، في مستشفى تسيرلنغ كروس في لندن، هو من أولئك الذين لا يستأذنون أحدا.. حينما يمضون في باتجاه الشمس والنجمات، هو من أولئك الذين احتملوا عبء التواصل مع هذا الوطن برغم المخاضات الكثيرة والعسيرة، هو من الذين برهنوا على قداسة التراب العربي المسلم على امتداد مساحة الوطن الكبير، والرصاصة التي طالته في لندن، لم تكن بحجم الهدف. ولم تنل منه شيئا، وإن كان قد توقف عند حدود الـ50 عاما، فسيبقى كل الزمن القادم عمر له.
عبد الله حمودة، العلي هو ابن الحياة الذي يعيد خليقها بأدواته ويؤثر في الناس، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بالتعايش مع الناس، وهمومهم، وخوض معاركهم حبا في حرية الانسان، وإبداعه وتحرير الانسانية من الظلم، والطغيان، والفقر، والاستغلال، والدفع بأقصى الطاقات، من أجل عالم يحب فيه الانسان أخاه الانسان.
وهذا يتعاكس مع شهوة التسلط عليه واخضاعه وقهره وتجويعه وربما اغتياله كفرد أو كشعب واغتيال الوطن، كما يجري في فلسطين.. أرض البرتقال الحزين.
في أجواء يلفها القهر والذل قاسم اخوته خيمة من خيام وكالة الغوث، وهناك دخل مدرسة عين الحلوة ليتعلم، ولكن الفقر أجبره أن يدخل مدرسة الحياة في بساتين الليمون.
أعطى أكثر من 40 ألف عمل فني، غير تلك التي منعتها الرقابة وظلت حبيسة الرفوف، وأعطى ثلاث كتب في أعوام 1967، 1983، 1985، وعرضت أعماله في بيروت ودمشق وعمان وفلسطين والكويت وواشنطن ولندن.
أوجد شخصية حنظلة الطفل المملوء بالشوك حنظلة الطفل يمثل ناجي العلي الذي هُجر من البلاد طفلا، ولا ينمو ما دامت فلسطين محتلة.
أحمد الطراونة: كان أول كاريكاتير لناجي العلي عام 1963 في مجلة الحرية، وهو عبارة عن خيمة على شكل هرم يخرج من قمتها بركان ترتفع منه يد مصممة على التحرير. معلنا من خلاله الرفض المطلق لكل ما يدور حوله، متمردا على السائد. في ترسيخ للرفض في الوجدان بالسخرية.
عند الساعة 5:13 بتوقيت غرينتش، يوم الأربعاء 22 يوليو/ تموز 1987، أوقف العلي سيارته على رصيف الجانب الأيمن لشارع ايفز جنوب غرب لندن، حيث مقر جريدة القبس الدولية. ترجّل منها بهدوء بعد أن جمع بعض الأوراق التي تحوي آخر رسومه الكاريكاتيرية، وتأبطها، ثم سار على مهل في اتجاه مكتب الصحيفة المملوكة لمحمد جاسم الصقر الصحفي والبرلماني الكويتي المعروف. لم يكن ناجي يعلم أن قاتلا يترصده، ورغم التهديدات التي تفوق المائة حسب قوله، والتي كانت تنذره بالعقاب على رسوماته، وتلقيه معلومات وافية بأن حياته في خطر نظرا لأن الموساد الإسرائيلي قد جعله هدفا، إلا أن ناجي العلي لم يتخذ لنفسه أية إجراءات للحماية، لإيمانه القدري وفقا لمقولة: "الحذر لا يمنع القدر" لذلك كان اقتناصه سهلا.
وما أن اقترب ناجي العلي من مخزن "بيتر جونز"، القريب من نقطة الاستهداف حتى اقترب منه القاتل الذي ارتدى سترة من الجينز والذي وصفه الشهود بأنه ذو شعر اسود أشعث وكثيف، وعندما سار في موازاته أخرج مسدسه وأطلق الرصاص باتجاه رأس ناجي العلي، ثم لاذ بالفرار.
وقع ناجي على الأرض وبيده اليمنى مفاتيح سيارته، ورسوم يومه تحت ذراعه الأيسر، وكان أول الواصلين إليه أندريه مولر (27 عاما) من حي بوتني والذي كان يعمل في مخزن "بيتر جونز" القريب من مكان الاغتيال، حاول مولر إجراء الإسعافات الأولية بعدما شعر أن نبض ناجي العلي ما زال يشير إلى أنه على قيد الحياة.
نقل ناجي إلى مستشفى "القديس ستيفن" وهو خاضع لجهاز التنفس الاصطناعي ثم جرى تحويله إلى مستشفى "الصليب تشارنج" وأدخل إلى قسم جراحة الأعصاب، ثم أعيد مرة أخرى إلى مستشفى القديس ستيفن.
ظل العلي يصارع الموت حتى يوم السبت 29-8-1987، وانتقلت روحه إلى بارئها في تمام الساعة الثانية فجرا، ودفن في مقبرة "بروك وود" الإسلامية في لندن، وحمل قبره رقم (230190).