مياه "مغارة اشفا"... تجدد دائم واعتقاد بقدرتها على الشفاء
ديانا مروان
إلى الجنوب الغربي من قرية كفر عبوش جنوب طولكرم، وتحديدا في أراضي خربة بيت جفا التابعة لها، تختبئ في جوف الأرض مغارة، يُعتقد أن لمياهها القدرة على الشفاء من الأمراض، ومن هنا جاء اسمها "مغارة اشفا".
وتتربع بيت جفا على تلة ترتفع (258 م) عن سطح البحر، وكانت تشرف على الأراضي الزراعية والطرق التجارية المحيطة بها، وبلغ عدد سكانها (209 أفراد) في العهد العثماني، قبل تشريدهم للقرى المجاورة.
وأوضح نائب رئيس مجلس قروي كفر عبوش سلمان بشناق: "للوهلة الأولى عند رؤية المياه، يوحى إليك أنها لا تتجاوز العشرين لترا، والحقيقة أنها متجددة طوال العام، دون زيادة أو نقصان عن الحد المعتاد، وهذا هو السر".
يقول المختصون بالآثار، إن هذه المغارة خلقت من الطبيعة في باطن الأرض، منذ القدم، تتوزع داخلها ممرات، تقود إلى غرف تحتوي على المياه، والكثبان الرملية، والمنحوتات الصخرية.
يجد كل من يحاول دخول المغارة صعوبة في النزول إليها، لطبيعة مدخلها المنحدر، إلا أنه يمكن التنقل بداخلها بكل سهولة وراحة، باستثناء غرفة المياه، التي تجبر الشخص على الزحف في ممر ضيق، للوصول إليها.
وتابع بشناق حديثه، هناك اعتقاد سائد بين أهالي القرية وغيرهم، بأن مياه "مغارة اشفا" تشفي المرضى، وكانوا قديما يستخدمونها لعلاج العديد من الأمراض، مبينا أنه في أحد الأيام التقى برجل قادم من الأردن يسأل عن المغارة، بهدف الحصول على مياه الشفاء، حسب وصف بعض الاشخاص له.
ويمكن مشاهدة الصواعد والهوابط، والمنحوتات الصخرية بأشكالها المتعددة، مثل مجسم الجمل والجرة، التي تكونت نتيجة التكلسات والمياه، ولكن لجهل البعض وقلة الوعي، تم تدمير وتكسير معظمها، في محاولة لاقتلاعها والحصول عليها.
وقال مدير السياحة والآثار في طولكرم إياد ذوقان، "إن بيت جفا تمثل نموذجا حيا للقرى الزراعية الفلسطينية التي اشتهرت بزراعة الزيتون والعنب آنذاك، حيث لا تتجاوز مساحة الخربة (30 دونما) حسب الممسوحات الأثرية، نظرا إلى الكسر الفخارية، وأساسيات الأبنية المنتشرة في الموقع".
وأضاف، "الممسوحات الأثرية أظهرت تسلسلا تاريخيا يسمى بالفترة الكلاسيكية من الناحية الأثرية، وهذه الفترات هي الرومانية والبيزنطية والإسلامية، ووجود الكسر الفخارية يبين هذا التسلسل".
تقول روايات كبار السن في القرية، إن "مغارة اشفا" هي بقايا خربة بيت جفا، القرية التي دمرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بسبب وقوع مذبحة بين أهالي قريتي صير وبيت جفا على خلفية شرف، ما أدى إلى تشريد سكانها إلى القرى المجاورة.
وتضم أراضي بيت جفا، بقايا السور الذي كان يحيطها، وجدران البيوت المهدمة، ومسجدا قديما أقيم خلال العصر العثماني، وبقايا المقبرة والآبار المحفورة بالصخر نظرا لاعتمادهم على مياه الجمع من الأمطار.
ويرجح علماء الآثار احتمالية وجود معاصر للعنب، نظرا لوجود حفر منحوتة بالصخر تستخدم لعصر العنب، تتصل بقناة تمتد إلى مخزن منحوت في جوف الصخرة، يتم النزول إليه بواسطة درج نحت أيضا في الصخر.
وأوضح ذوقان، أنه لم تجر تنقيبات أثرية بالمنطقة، ولكن اعتمدوا على المسح الأثري السطحي، وأنه لكثرة المواقع الأثرية في المحافظة والبالغ عددها (150) موقعا، وبسبب الموازنة الضخمة اللازمة لإعادة تأهيلها، والاعتماد على الدعم الخارجي في ذلك، حال دون ترميم البعض منها.
وحذر بشناق من أن الخربة تتعرض لمحاولة البحث والتنقيب عن الآثار من قبل مجهولين، ما يؤدي إلى تدمير وطمس ما تبقى منها.
ورغم ذلك تسعى الوزارة هذا الموسم إلى تنظيم مسارات سياحية إلى مغارة اشفا وخربة بيت جفا، بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، تعريفا بهذه المنطقة الأثرية الهامة في فلسطين.