كم نوعا من النسور في فلسطين؟
زهران معالي
منذ منتصف آب الماضي، تشهد سماء فلسطين حركة متسارعة لأسراب من الطيور المهاجرة يوميا، التي تقدر أعدادها بالملايين، قادمة من شمال الكرة الأرضية نحو القارة الافريقية ضمن الهجرة الخريفية، التي تستمر حتى منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني القادم.
بين تلك الطيور المهاجرة، ستة أنواع من النسور المقيمة والمهاجرة في ذات الوقت، ومنها المهدد بالانقراض عالميا، والتي تشكل طبيعة فلسطين بيئة مناسبة لها لوضع فراخها، وفق ما توضح رئيس قسم التنوع الحيوي الحيواني في سلطة جودة البيئة إيمان عمودي.
وتؤكد عمودي لـ"وفا"، بأن النسور من الطيور الجارحة وتعتبر من "نسور العالم الجديد"، وتعيش في قارة آسيا وإفريقيا وأوروبا، وتمتاز بأجنحتها الطويلة التي تحركها عضلات قوية تجعلها قادرة على الطيران لمسافات طويلة، كما تمتاز بمخالبها ومنقارها الحاد الكبير المعقوف والنظر الحاد.
وقبل أيام احتفل العالم باليوم العالمي للتوعية بأهمية النسور والمخاطر التي تتعرض لها، والذي يصادف في أول سبت من شهر سبتمبر كل عام.
وبدأت فكرة ذلك اليوم من برنامج المحافظة على الطيور الجارحة التابع لصندوق الحياة البرية المهددة بالانقراض في جنوب أفريقيا، وصندوق المحافظة على الصقور في إنجلترا، ولاحقا تم تعميمها لتصبح يوما عالميا.
ونظرا لموقع فلسطين الجغرافي المتوسط بين القارات الثلاث، وتنوع النظم المناخية فيها بين الساحلية، والجبلية، والصحراوية، والأغوار، واختلاف الارتفاع والانخفاض عن سطح البحر، جعلها مقصدا للطيور في كلا موسمي الهجرة الخريفية، والربيعية التي تبدأ من منتصف فبراير إلى منتصف إبريل، ما أضاف تميزا للتنوع الحيوي للبيئة الفلسطينية.
وتفضل معظم النسور العيش في المناطق المفتوحة، وغالبا ما تقف على شكل مجموعات على المنحدرات، والأشجار العالية، أو على الأرض، كما وتقوم بعض النسور ببناء الأعشاش الكبيرة في الأشجار، أو على المنحدرات، لوضع البيض فيه، والبعض الآخر تقوم بوضع البيض في مناطق فارغة، مثل: التجاويف في مناطق تواجدها، وتستغرق بيض النسور ما يقارب شهرين حتى تفقس.
وتشير عمودي إلى أن النسر الأسمر أو المعروف بعقاب الرمم أو نسر جريفون، أحد الأنواع المتواجدة في فلسطين، حيث يعيش في الجبال والهضاب والمراعي والمناطق المشجرة والمناطق شبه الصحراوية، ويفضل العيش في المناخات الحارة ولكنه يتحمل العيش في المناطق الباردة والماطرة أو حتى في المناطق التي تتساقط عليها الثلوج، لكنه يتجنب العيش في المناطق والأراضي الرطبة والبحيرات والمياه البحرية.
ويوضح مدير جمعية الحياة البرية، ومقرها بيت ساحور، عماد الأطرش لـ"وفا"، الذي ينشط في هذه الفترة بمراقبة الطيور المهاجرة، أن النسر الأسمر مفرخ في منطقة وادي مخماس وبرية القدس ومسافر بني نعيم ووادي القلط، ويضع بيضة واحدة كل سنتين.
وآخر مرة استطاع الأطرش رصد سرب من النسر الأسمر بأعداد كبيرة، كان في شهر نوفمبر عام 2001، حيث سجل 23 منها قرب محطة تغذية في برية القدس، إلا أن تلك الأعداد تشهد تراجعا مستمرا حتى باتت فردية، نتيجة تعرضها للتسميم أو سرقة أعشاشها، وفق ما يؤكد لـ"وفا".
وينوه إلى أن 65 نسرا أسمر نفقت قبل سنوات قرب المستوطنات بالجولان؛ إثر تغذيها على ثعالب وذئاب ميتة ومسممة، عقب قيام المستوطنين برش سموم لقتلها، مؤكدا أن النسر الأسمر نوع عالمي، ومهدد في البيئة الفلسطينية نتيجة الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين، وكذلك سرقة صغارها والبيض من أعشاشها خاصة في مسافر بني نعيم.
والنسر الأسمر يحتاج أربع سنوات حتى يصل مرحلة النضوج، وذو رقبة خالية من الريش تساعده على إدخال رأسه في الجيف، ويشكل جزءا من التوازن البيئي في الطبيعة، ويصل عرض جناحيه أثناء التحليق 280 سم.
ويشير الأطرش إلى أن خط سير الهجرة للنسر الأسمر تبدأ من منطقة الجولان إلى وسط الضفة الغربية والسفوح الشرقية وصولا لوادي القلط وبرية بني نعيم، ويسجل بأعداد أكبر في الهجرة الربيعية أكثر من الخريفية.
ووفق عمودي فإن النسور تشكل أهمية للبيئة، كونها تتغذى بشكل رئيسي على الجيف "جثث الحيوانات الميتة"، والقمامة، والبراز، ونادرا ما تتغذى على الحيوانات الحية فعدد قليل من النسور التي يمكنها اصطياد الحيوانات الصغيرة، مثل: السلحفاة، فتساعد على تنظيف الطبيعة من الجثث والحد من انتشار الأمراض، والبكتيريا الخطيرة، وتمتاز بكونها لا تُصاب بالأذى، حيث تمتلك انزيمات قوية في بطونها، تعمل على القضاء على السموم الخطرة، والكائنات الدقيقة.
وتشير إلى أن النسور تمتلك مناقير، وسلوكيات خاصة لتتمكن من أكل أجزاء مختلفة من الجيف، وتستخدم مناقيرها القوية لكسر العظام الصغيرة، وتقوم بحمل العظام الكبيرة إلى السماء، وإلقائها على الصخور الموجودة في الأسفل لتكسرها وتتمكن من تناولها كما أنها تمتلك مناقير معقوفة، ومخصصة لقطع وتمزيق الطعام الخاص بها.
وتحتضن طبيعة فلسطين 39 نوعا من الطيور الجارحة تتبع للعقبان والنسور والصقور، وتتنوع بين مقيمة ومهاجرة، إلا أن أعدادا كبيرة من تلك الطيور مهددة بالانقراض كالرخمة المصرية والنسر الأسمر والقعاب الذهبي والعويسج والشاهين، تضيف عمودي.
وتعزو ذلك إلى تدهور الموائل الطبيعية لها؛ إثر تكثيف الزراعة الذي أدى لهدم تلك الموائل والأعشاش، والتشجير والتحطيب وكذلك التحضر والزحف العمراني، وكذلك كون الطيور الجارحة تأخذ وقتا كبيرا حتى تبلغ سن البلوغ فتحتاج عدة سنوات، وكذلك فإن بيوضها تتراوح من 1-3 بيضات فقط، وبعد التفقيس يحدث التنافس الطبيعي بين الفراخ على البقاء، فيمكن أن تقضي على بعضها حتى يعيش واحد منها، مثل طائر الباشق.
وتوضح عمودي إلى أن الرخمة المصرية هي النوع الثاني من النسور في فلسطين، والتي سجل تواجدها في مناطق برية القدس وجبال النقب إضافة إلى مرتفعات نابلس.
ويشير موقع محميات فلسطين، إلى أن الرخمة المصرية طائر متوسط إلى كبير الحجم له صورة ظلية مميزة مع ذيل وتدي الشكل، ويتميز باللون الأبيض الذي يغطي جسمه ورأسه، والأسود الذي يغطي الجزء العلوي لجناحيه التي تحتوي مراكز بيضاء اللون مميزة له.
وتحتاج صغار الرخمة المصرية إلى خمسة سنوات لتصل إلى سن البلوغ، بحيث تبدأ بتغيير لون ريشها البني الذي يكسو أجسامها إلى اللون الأبيض والأسود تدريجيا .
وتصل الرخمة المصرية الى فلسطين في شهر فبراير- مارس لقضاء فصل الصيف ثم تغادر مرة أخرى في شهر سبتمبر- اكتوبر. كما وتقضي فصل الشتاء في شرق أفريقيا حيث المناخ المناسب. وتبدأ بمرحلة المغازلة وجمع القش لبناء العش.
وتضع الرخمة المصرية تقريبا 3 بيضات وتنتج واحدا أو اثنين من الفراخ وتستمر فترة احتضان البيض ما بين39-45 يوما، وبعد حوالي 69–90 يوما تبدأ الفراخ بمغادرة العش، ويتراوح وزن الطائر من 2.2-6.1 كغم، والطول 58–70 سم وامتداد الجناحين عند الطيران 155-170 سم، وفق الموقع.
ويلفت الأطرش إلى أن الرخمة المصرية المفرخة في فلسطين مهاجرة ومهددة عالميا بالانقراض، وأعدادها ضئيلة جدا، ولا يتوفر إحصائيات لعددها كونها مقيمة ومهاجرة.
وتشير عمودي إلى تواجد أربعة أنواع أخرى من النسور في طبيعة فلسطين وهي نسر الثعابين حي يتواجد في جميع المناطق خاصة شمال ووسط البلاد، والنسر الملتحي وسجل وجوده في المنطقة الجنوبية للضفة الغربية وهو من الطيور النادرة جدا في الطبيعة، والنسر الأوذن، والنسر الأسود وهو نادر الوجود وقد سجل في أحراش أم التوت في جنين.
وما يميز النسور أنها تعيش سنوات طويلة مقارنة بغيرها من الطيور تصل أحيانا لأربعين عاما، إلا أن نهايتها غالبا مأساوية كونها تقدم على الانتحار بأن تطير إلى أعلى ارتفاع تستطيعه، ثمّ تسكن لتسقط سقطة الموت بكبرياء والسبب غالبا المرض، تضيف عمودي.