عكازا ترامب
كتب رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة"
نفى جيسون غرينبلات ما جاء في تقرير لصحيفة اقتصادية اسرائيلية والذي تحدث عن استعداد الإدارة الاميركية، دفع خمسة مليارات دولار مقابل "موافقة الرئيس ابو مازن على دخول مفاوضات سلام مع اسرائيل"..!! وجاء النفي بعد تصريحات لجاريد كوشنير لصحيفة "نيويورك تايمز" هي الأكثر تعبيرا عن جهل الإدارة الاميركية "بواقع الصراع" كما أصاب الناطق باسم الرئاسة في وصفها وفي تحليلها بانها كذلك "محاولة للتضليل وتزييف التاريخ الخاص بالقدس ومقدساتها الاسلامية والمسيحية".
ولا نستبعد ان خبر المليارات الخمسة، كان في الأساس تسريبا من البيت الابيض تلويحا برشوة، يتوهم الرئيس الاميركي انها قد تشتري موقف الرئيس ابو مازن، ليأتي الى طاولة مفاوضات مدمرة للقضية الفلسطينية، وهذا جهل اعمق بواقع الطبيعة الفلسطينية، وحقيقة ارادتها الحرة، التي لا تساوم ولا بأي حال من الأحوال على الثوابت المبدئية، التي يتمسك بها وبمنتهى الحزم والصلابة الرئيس ابو مازن، ونفي غرينبلات لهذا الخبر، لا يعني تراجع الادارة الاميركية عن هذا التلويح الذي تراه كمثل جزرة، ولكن لا بد من عصا الى جانب هذه الجزرة فجاءت تصريحات كوشنير، لتشكل هذه العصا بلغتها العدوانية، وتجنيها على أبسط حقائق الواقع ومعطياته ..!!
ومن الواضح ان تصريحات غرينبلات وكوشنير معا ليست دون غاية محددة في التوقيت، إذ انها تأتي قبل اسبوعين تقريبا من خطاب الرئيس ابو مازن في الأمم المتحدة، ونكاد نجزم أن أكثر الأطراف في اللحظة الراهنة انتظارا لهذا الخطاب هي الإدارة الاميركية، ولهذا تريد من تصريحات "العصا والجزرة" مزيدا من الضغط على الرئيس أبو مازن، لربما يتراجع قليلا عن موقفه الرافض والمقاوم لصفقة ترامب جملة وتفصيلا ..!!! وحقا هذا جهل اكثر عمقا وحماقة، بواقع الرئيس ابو مازن، وحقيقته الوطنية والنضالية الفلسطينية، وصلابته التي لا تخشى عصا ولا تخدعها جزرة.
جاريد كوشنير، وجيسون غرينبلات، باتا على نحو واضح، ليس أكثر من عكازين لرئيسهما دونالد ترامب، لعله يستطيع المضي في طريقه الوعرة التي شقها لأجل خدمة العمل الصهيوني، لكنه برغم هذين العكازين ما زال يعرج في هذه الطريق التي لن تسلك ابدا، طالما ظلت الـ "لا" العباسية حاضرة لحماية المشروع الوطني التحرري، وطالما ظلت اساسا لعملية سلام عادلة ونزيهة.
يبقى ان نقول، ان تصريحات العكازين كوشنير وغرينبلات هي ايضا وفي المحصلة، محاولة للتشويش مسبقا على خطاب الرئيس ابو مازن في الأمم المتحدة، والمصادرة عليه، وهي محاولة تكشف عن مدى قلق الادارة الاميركية من هذا الخطاب، لأنه سيكون ولا شك خطاب المواجهة الكبرى ان صح التعبير، لأن الصراع قد اشتد، ولأن الرئيس ابو مازن، لا يعرف المهادنة والمساومة، ولأن طريق السلام الحق والعدل، لن تكون غير طريق فلسطين الدولة بعاصمتها القدس الشرقية وبالحل العادل لقضية اللاجئين وفق قرارات الشرعية الدولية.