في قلب نابلس.. حجارة تتغير
شادي جرارعة
تشير عقارب الساعة الى 6:30 صباحاً..بعد أن دقت أجراس برج الساعة القديم في وسط البلدة القديمة في مدينة نابلس، لتعلن بداية يوم جديد في قلب المدينة القديمة..أصوات إطارات العربات الخشبية تسمع من كل زقاق، كل (عربجي) متجهٌ لعمله..فأحدهم ذاهب ليحضر حمولة من الخضار والفواكه لإحدى المحال في السوق القديم، وآخر ينتظر الحصول على حمولة سريعة ليبدأ بها يومه.
وفي قلب البلدة القديمة يقع باب الساحة الذي كان على مر التاريخ المركز الرئيس للمدينة، ودائما ما يكون نقطة الانطلاق للحياة اليومية وحتى السياسية عند الخروج للمظاهرات ضد الانتداب البريطاني والاحتلال الإسرائيلي.
وطالما كانت منطقة باب الساحة قلب نابلس على مدى 2000عام من بناء الرومان للمدينة، لكنها لم تشهد طيلة العقود الماضية تغيرات سياسية فقط، بل شهدت أيضا تغيرات طالت حجارتها.
فؤاد حلاوة صاحب محل في ساحة المنارة وهو وجه معروف في تلك المنطقة يقول "عمري الآن 83 عاما كنت شاهدا على التغيرات التي حصلت هنا في باب الساحة منذ أن تم اقتلاع البلاط السلطاني العثماني في عام 1954 ".
وخلال السنوات التي تلت، أصبحت التغيرات تحدث بين فترة وأخرى ونبض البلدة بدأ يتلاشى شيئا فشيئا.
تبلغ مساحة مدينة نابلس ما يقارب 29كم2، وبلغ عدد سكانها ما يقارب 156.906 مواطنين حسب الإحصاء السكاني الأخير.
يضيف حلاوة" عندما كان البلاط السلطاني هنا كان يحمل الطابع الأثري القديم، أما الآن فأصبحت هذه التغيرات تقلقنا كثيرا وأصبح المكان بلا هوية وبلا روح أيضا فالحياة هنا أصبحت غير مستقرة".
التغير الأخير بدأ منذ نحو 8 شهور وما زال العمل مستمرا به فقد غير معالم باب الساحة فأصبح البلاط القديم بلاطاً حديثاً.
أحمد حرز الله وهو صاحب أحد المحال المجاورة لباب الساحة يقول: "المكان أصبح ضيقا ولم يعد كما كان من قبل، هذه التغيرات لم تأت بشيء جديد بل كانت سيئة للغاية حتى الأماكن الأثرية لم تنج من التغيرات الحديثة".
ويؤكد حرز الله شهدت تغيرين خلال جلوسي بالمحل هنا، الأول وضعوا في المنتصف نافورة ماء، والثاني قاموا بإزالتها وإعادة رصف باب الساحة بالرخام، أما الأن أنا أشهد التغير الثالث الذي بدأ منذ شهور قليلة، التغير هذا سيئ جدا ومحا جمال البلدة القديمة".
يمتاز باب الساحة بوجود برج الساعة القديم، هو واحد من 7 أبراج أقيمت في مدن فلسطين في العام 1901 احتفالاً بمرور 25 عاماً على اعتلاء السلطان عبد الحميد الثاني العرش العثماني (تقع الأبراج الأخرى في القدس، يافا، حيفا، صفد، الناصرة، عكا -إلاّ أن برج القدس هدمته القوات البريطانية عند دخولها للمدينة، ويعتبر أحد أهم الأثار المعمارية العثمانية الباقية في نابلس.
أسفل البرج القديم يوجد بوابة كانت للمخفر الذي أنشأه العثمانيون قبالة دار السرايا المقابلة للبرج وبعد ذلك أستخدمه الانتداب البريطاني وحتى عند تسلم الأردنيين أستخدم هذا المخفر.
يقول الساعاتي عنان حميض " كنت مسؤولاً عن برج الساعة لمدة تقارب 29 عاماً، لم أشعر يوما واحداً بالحزن طيلة فترة عملي بالبرج وحتى عندما كنت طفلا فلم تكن تخطئ الساعة بثانية واحدة، أما الان فأنا أشعر بسعادة قليلة فما زلت اسمع صوت الجرس ولكن غصتي الكبيرة عندما أرى الساعة التي ضبطت وقت نابلس تخطئ كثيراً".
أحد المارة عزف عن ذكر اسمه يقول " كان المكان جميلا فيما سبق، أما الآن فهو لا يتعدى أكثر من بسطة منزل ببلاط صيني حديث".
"فالقديم دائما أجمل ويعطي للمكان شئياً من السكون" يضيف آخر.
قديما كانت تبلغ مساحة البلدة القديمة ما يقارب 2 كم2 ممتدة من الشرق الى الغرب، أما الآن فلا تتجاوز مساحتها النصف كيلو متر مربع بسبب هدم المناطق المحيطة بها وتحويلها لأحياء حديثة، أما منطقة باب الساحة فتبلغ ما يقارب 1000م2.
المهندس المسؤول عن البلدة القديمة في بلدية نابلس سامح عبده يقول: "كان التغير الأول الذي حصل على باب الساحة كان بوضع برج الساعة وتبليط الساحة بالبلاط السلطاني ووضع المقاعد والاشجار، فقد كان باب الساحة عبارة عن ساحة ترابية مفتوحة ومحاطة بالصبّانات ومنازل العائلات العريقة وكان هناك عين ماء تم تغيير مسارها مع مرور الوقت".
"وفي عام 1954 قامت البلدية وبطلب من بعض الأهالي بإجراء بعض التغييرات كإزالة البركة وبعضٍ من البلاط السلطاني والاشجار وغيرها بسبب الاكتظاظ الذي أصبح في منطقة باب الساحة بعد فتح المحال"، يضيف عبده.
ويقول عبده: "ان البلدية تقوم الآن بمشروع على مرحلتين في باب الساحة تم الانتهاء من المرحلة الأولى وهي تبليط الساحة ببلاط تراثي يحاكي البلاط القديم وإعادة تأهيل البنية التحتية لباب الساحة، أما المرحلة الثانية فستكون بوضع بركة مياه وإعادة المقاعد والاشجار وتظليل المكان وتوحيد أبواب المحال التجارية وترميم الأحجار القديمة لنعيد لباب الساحة مكانته التراثية بعد أن كان مركزا للتجمعات الاجتماعية والسياسية والدينية".
ويؤكد عبده: "تعمل البلدية على تحويل البلدة القديمة الى متحف مفتوح يتمثل بنوعين من المتاحف الأول يقوم على ترميم وامتلاك مبانٍ تاريخية مثل قصر طوقان وما يحيط به من حدائق ومداخل، ووضع بداخله موجودات تاريخية تحاكي جميع الحقب الزمنية التي مرت على مدينة نابلس بدءاً من العصر الكنعاني ولغاية الفتوحات الإسلامية، أما النوع الثاني فيتمثل بترميم كامل للبلدة القديمة بما تحويه من طرقات ومبانٍ وساحات وسبل مياه وأحواش، لتحاكي الأسواق التاريخية في القدس ودمشق وعكا وبعض المدن في بلاد الشام".