في الطريق الى المدرسة..
بسام أبو الرب
تتحدث الطالبتان فاطمة فريحات، وخلود خليل، عن تفاصيل يومهما المدرسي ومجريات الدراسة خلال سيرهما على الأقدام في طريق وعرة محفوفة بالمخاطر.. صعودا فوق الجبال، هبوطا بين الوديان.
تُنبه كل منهما الأخرى إذا ما ضلّت الطريق، فيما تصرخ خلود على إخوتها الذكور، لقد تأخر الجميع عن موعد انطلاق حافلة خصصتها وزارة التربية والتعلم، والتي تقلهم إلى مدرسة فروش بيت دجن، من أقرب نقطة يمكن ان تصلها العجلات.
السادسة صباحا موعد الانطلاق الذي يقدر الأطفال خط نهايته عند عامود الكهرباء!!
على الأرض الشاسعة هناك شرق نابلس، تقع قرية بيت دجن المتواضعة، حيث تسجل عشرات العائلات منذ سنوات عديدة، فصولا خاصة في عملية المواجهة مع البرنامج الاستيطاني الإسرائيلي، وتواجه بجسارة قسوة المحاولات التي تستهدف إجبارهم على الرحيل، حيث يمنع من البناء أو التطوير في البنية التحتية، وشق طرق وتعبيدها؛ بحجة انها مناطق مصنفة (ج).
"نحن نقضى الوقت بالحديث كي لا نشعر بطول المسافة" تقول فاطمة، بعد أن أشاحت بوجهها الأسمر عن الشمس، فيما أومأت رفيقتها لتوافقها الحديث.
يعيش معظم طلبة مدرسة فروش بيت دجن في مساكن وخيام، تتناثر على حافة الجبال والتلال الجرداء المحيطة في المنطقة، يبذلون جهدا تحت أشعة الشمس ويتصببون عرقا، ويواجهون خطر تدفق السيول وبرد الشتاء؛ من أجل الوصول إلى مقاعد الدراسة.
"في الشتاء نخاف المياه والسيول وخطر التزحلق، وفي الصيف نحاول جاهدين الانتباه من الحيوانات المنتشرة في المنطقة" تضيف فاطمة التي تدرس في الصف السابع الأساسي.
"مرات نسلك قمة الجبل ونلتف على الطريق وقت المطر" تؤكد خلود على حديث زميلتها فاطمة.
مشيت مع الأطفال الخمسة طوال المسافة، محاولا معرفة الوقت الذي تستغرقه الرحلة، إلا أن ضحكات ولعب الأطفال الذكور وتسابقهم نحو الحافلة، محاولا كل منهم حفر خطوته على الأرض، أضاعت فكرة الزمن والعدد.
يحاول أحد الأطفال إخافة أقرانه بعد أن حمل أنبوبا أسودا كانت المياه تجري بداخله قبل شهور.. أنبوبا يعتبر القناة الأساسية لوصول المياه إلى مساكن العائلات هناك؛ قبل أن يتلفه الاحتلال حارما سكان المنطقة من مياه الشرب اللازمة.
وصل الطلبة إلى مكان انطلاق الحافلة التي تنتظرهم، ولا زالت أم نائل (37 عاما) وهي والدة الطالبة خلود، تراقب أطفالها من امام الخيمة حتى تطمئن عليهم.
"هذا العام لم أرسل مصطفى أصغر أولادي الى المدرسة، خوفا من الأجواء الحارة وصعوبة الطريق فهو لا زال صغيرا"، تقول ام نائل التي غطت وجهها بوشاح لبسته فوق القبعة، والتي ترى أن الطريق التي يسلكها أولادها (نحو 2 كيلو متر) محفوف بمخاطر الصيف وما يحمله من انتشار الحيوانات، ناهيك عن أشعة شمس الأغوار الحارقة.
وتضيف "مرات عدة أمنعهم من الذهاب إلى المدرسة إذا تأخروا على الحافلة، أو إذا كانت الحالة الجوية غير مستقرة، كما يحدث حالة سقوط الأمطار وتشكل السيول التي تعيق حركة التنقل".
اكثر من 150 طالبا يدرسون في مدرسة فروش بيت دجن التي تجابه مطامع المستوطنين الذين استولوا على اكثر من 10 آلاف دونم من أراضيها.
رئيس مجلس قروي فروش بيت دجن ومدير مدرستها، توفيق الحج محمد، يؤكد انه قبل العام 2000 كان ما يقارب 200 طالب يتلقون تعليمهم في المدرسة التي كانت حتى الصف السابع، ويقول: "اليوم المدرسة فيها للصف الحادي عشر، ولا يوجد فيها سوى 150 طالبا، وذلك بعد رحيل عدد من العائلات؛ بسبب مضايقات الاحتلال من سياسة الهدم والتشريد والاستيلاء على مصادر المياه وقلة المراعي في المنطقة التي تحيط بها المستوطنات ومعسكر لجيش الاحتلال".
غادرنا المدرسة بعد أن دخل التلاميذ الى صفوفهم وهم يحملون أمنيات بأن يصبحوا مهندسين ومدرسين وأطباء..