سيف المصري.. طفل هاوٍ لجمع الطوابع والعملات القديمة
هدى حبايب
عام 1840 أصدرت بريطانيا أول طابع بريد حمل صورة الملكة فكتوريا وهي ملكة بريطانيا العظمى وايرلندا في ذلك الوقت، تحت مسمى "بني بلاك"، بلونه الأسود، ما دفع كثير من الناس لشرائه والاحتفاظ به، ومع مرور الزمن انتشرت هواية جمع الطوابع بصورة كبيرة في العالم، وبدأ تجار الطوابع بإصدار الكتيبات والألبومات، الأمر الذي جعل هذه الهواية تنال شعبية كبيرة.
وينطبق الحال على هواة جمع العملات التي تعتبر من أكثر الهوايات رواجا في العالم إلى جانب جمع الطوابع البريدية، حتى ارتبطت الهوايتان معا، ولاقتا اهتماما كبيرا من المهتمين كبارا وصغارا أطلق عليهم مسمى "هواة".
الطفل الفلسطيني الأصل الأردني الجنسية سيف عصام المصري (10 سنوات)، يهوى جمع الطوابع والعملات، وقع في شباك هذه الهواية منذ أن كان في الرابعة من عمره، كان يلتقط ويجمع كل قطعة قديمة يعثر عليها أثناء لعبه مع أصدقائه ويحتفظ بها، مفاجئا والديه بشغفه لهذا العمل، فتنبها إلى ضرورة دعم ابنهما وتشجيعه، فكانت البداية أن اختارت والدته إحدى زوايا المنزل ليمارس هوايته بارتياح.
حصيلة سيف طوال سبع سنوات حتى الآن كانت 250 عملة ورقية، إلى جانب 50 عملة حديدية، وأكثر من 20 طابع بريد، وثقت فترات تاريخية مختلفة من تاريخ فلسطين، والأردن، وبلدان أخرى، وتحدثت عن أعلام، وشخصيات، ومعارك، وانتصارات، وما زال يبحث عن المزيد خاصة القديم والنادر، إضافة إلى التحف والنثريات القديمة.
الطفل سيف هو لأب وأم فلسطينيين يتجذران من مدينة القدس عاصمة فلسطين الأبدية، ويقطنان في العاصمة الأردنية عمان، لم تسنح لهما الفرصة لزيارة المدينة المقدسة، لعدم امتلاكهما للهوية الفلسطينية.
في زاوية المنزل التي خصصتها له والدته، رتب سيف الأوراق النقدية داخل إطارات خشبية وعلقها على الحائط، وأسند عليه صندوقا خشبيا كبيرا وآخر صغيرا يغلب عليه القدم، يحوي المقتنيات والعملات القديمة التي اشتراها وجمعها، ليحول المكان إلى شبه معرض، فكل طابع او عملة تتحدث عن قصص وحكايات تاريخية لهذا البلد أو ذاك، وانجازات وبطولات لشخصيات ناضلت من اجل بلادها.
ورغم بعده عن مسقط رأس أجداده "القدس"، إلا أن فلسطين لم تغب عن مشهد الهواية، فجمع سيف طوابع بريد استخدمت منذ الانتداب البريطاني لفلسطين وحتى اليوم، وكان همه أن يعثر على الجنيه الفلسطيني وهي العملة الفلسطينية الرسمية والشرعية التي كانت تستخدم في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين وإمارة شرق الأردن ما بين عامي 1927-1948، ليتمكن مؤخرا من شراء أقدم جنيه فلسطيني بمبلغ (90) دينارا أردنيا، من مدخراته التي يجمعها من مصروفه اليومي والأعياد.
ويفتخر سيف بشرائه للعملة الفلسطينية ويقول: "أخيرا اشتريت الجنيه الفلسطيني الذي دائما كنت أتمنى أن أحصل عليه بأي ثمن كان، فرحت به أكثر من أي مرة كنت أشتري بها أي عملة أخرى".
ويضيف "هذه الورقة صدرت عام 1924، مع الانتداب البريطاني لفلسطين، وعنونت بالبنك الإنجليزي الفلسطيني– ليمتد، وأنا أعرف أن الجنيه الفلسطيني هو العملة الأساسية التي كانت متداولة في فلسطين زمن الانتداب البريطاني والاحتلال الإسرائيلي لها قبل إصدارهم للشيقل".
"هناك جنيهات فلسطينية قديمة جدا، ولكن أثمانها باهظة أيضا، وغير متوفرة إلا ما ندر "يقول سيف.
ويشير إلى أنه يمتلك قطعة نقدية ورقية نادرة تعود للعهد العثماني، وصكا عثمانيا أيضا، كتب باللغة العثمانية، ويحتفظ بها إضافة إلى الكثير من العملات القديمة، في حافظات بلاستيكية ويضعها داخل ألبومات مخصصة، ويغلق عليها داخل صندوق خشبي، حماية لها من التلف والتآكل.
شغف سيف بهذه الهواية، جعل لديه معرفة تامة بالتطورات التاريخية للبلد التي يجمع طابعها أو عملتها، ويقول: "في كل مناسبة تسنح لي الفرصة بعرض ما أجمعه خلال فعاليات المدرسة، أشرح لأصدقائي تاريخ كل عملة أو طابع والأحداث التي رافقت تلك الفترة".
ملامح السعادة لا تفارق محياه، وهو يقوم بترتيب الأوراق والعملات في معرضه البيتي الصغير وقضاء وقت فراغه بإطالة النظر فيها، وهو ليس كأي طفل تستهويه الألعاب خاصة الالكترونية، بل إن سعادته وجدها في هذه الهواية التي اختارها ليكمل معها مسيرته المستقبلية، في جمع أكبر قدر من العملات، والطوابع، وحاله يقول: سأستمر وسأجمع من كل العالم.
ويقول بكل ثقة: "هذه العملات لا تقدر قيمتها بالمال، لا يهمني كم تكلف بقدر ما يهمني قيمة هذه العملة التي تؤرخ لفترات زمنية كان يعيشها أجدادنا والشعوب والقديمة".
ويضيف: في كل عيد اشتري من عيديتي 3 عملات بقيمة تتراوح ما بين 90-100 دينار، وكل 10 طوابع اشتريها بـ20 دينارا، وهناك طوابع أتمنى شراءها خاصة التي يصل عمرها إلى 100 عام".
ويتابع: "عندي وثيقة مصرية من عام 1882، وعملة معدنية أميركية من عام 1800، حتى الصندوق الذي أحفظ فيه العملات عمره 80 عاما من الكويت".
وينظر سيف إلى هذه الهواية بافتخار، فهو من جانب يلاقي تشجيعا من والديه اللذين يشاركانه في البحث عن كل ما هو قديم من العملات والطوابع وشرائها لابنهما، رغم أنهما بعيدان كل البعد عن هذا الموضوع.
ومن جانب آخر يضع نصب عينيه جمع أكبر عدد من العملات والطوابع النادرة خاصة العثمانية والفلسطينية والأردنية، ليكون ذلك مقدمة لتحقيق أمنيته في افتتاح متحف خاص على مستوى العالم يضم كل ما جمعه طوال حياته، ويقول "يا حبذا لو كان هذا المتحف في القدس عاصمة فلسطين".