الخان الأحمر.. حياة معلّقة في الهواء
يامن نوباني
يتأرجح الطفل حمزة أبو داهوك (5 سنوات) وحيدا على هيكل حديدي لِمُزَحلَقة "سحسيلة" في ساحة مدرسة الخان الأحمر شرق مدينة القدس، قبل أن يباغته خمسة من أقرانه ويزاحمونه التأرجح في الهواء على ما تبقى من لعبتهم اليتيمة.
"المزحلقة"، فقدت مسارها البلاستيكي برتقالي اللون، لإيجاد حيز للأغطية والفرش التي تتكوم في كافة زوايا الساحة من أجل مبيت المساندين للأهالي.
على مقربة من المكان فقدت أيضا الأرجوحة الوحيدة حبالها، ولم تعد تتأرجح ذهابا وإيابا في الهواء بجديلة طفلة هناك.
غير بعيد عن تأرجح الأطفال الستة، وتمسكهم بلعبتهم الوحيدة، يتأرجح حال سكان الخان الأحمر منذ سنوات بفعل تهديدات الاحتلال بترحيلهم وهدم مساكنهم.
ينام أطفال الخان الأحمر ويستيقظون على أمل أن يغرب شبح الجرافات الاسرائيلية الضخمة، التي تهدد منذ عدة أسابيع مساكنهم وترحيلهم، سيارات جيش الاحتلال لا تفارق محيط التجمع، ضباط وجنود الاحتلال يقتحمون التجمع بشكل شبه يومي، مهددين أصحابه بقرب المعركة الفاصلة والتي يُعد لها الاحتلال عدة ضخمة من قواته ومركباته، تكفي لغزو مدينة كبيرة، بينما لا يملك 190 فردا هم سكان الخان، غير أجسادهم وإصرارهم على البقاء، رداً على الحشودات والتجهيزات المرعبة للاحتلال.
كل صباح تشرق فيه الشمس على الخان الأحمر هو انتصار للفلسطيني هناك، انتصار للأولاد الذين يتجهزون للذهاب إلى مدرستهم، ولربة الخيمة التي ترفع الستار قليلا ليدخل ضوء النهار، وللشجرة التي سقاها عجوز في الليلة الفائتة، للمواشي التي تستعد لرعي الحشائش في الجبال المحبوسة.
تتمحور الحياة في الخان الأحمر في مدرسته الأساسية، حيث تدب الحياة في التجمع في حدود السابعة والنصف صباحا، فيبدأ الطلبة ومعظمهم ذو بشرة سمراء بالتقاطر إلى المدرسة، بعضهم بنشاط وهمة، وآخرون يجرون أنفسهم خلف طلبة يتقدمون بمزاج مرح، وقلة تأتي بهم الأمهات أو الأشقاء الأكبر سنا في حدود الثامنة والنصف، أي بعد نصف ساعة من بداية الدوام المدرسي، هذه القلة الموجودة في كل مكان، تدخل المدرسة بالدموع أو بالتجهم والعبوس الواضح على الوجوه.
ما يقارب الـ150 طالبا وطالبة، يأتون إلى مدرسة الخان الأحمر من عدة تجمعات بدوية قريبة، بعضهم يسير لمسافة ما بين 1-2 كيلومتر في طرق ترابية وعرة وغير آمنة.
المدرسة التي تأسست في العام 2009 بجهود المجتمع المحلي، وبدعم من جمعية 'فينتو ديتيرا' الايطالية، بدأت مشوارها بخمس غرف، تضم أربعة صفوف مختلطة، أما اليوم فتحوي تسعة صفوف، وغرفة إدارة، وغرفة مكتبة، وغرفة حاسوب، وغرفة مرافق صحية، وغرفة مطبخ، وغرفة معلمات.
يعمل في المدرسة المبنية من طين وإطارات بسبب منع الاحتلال البناء في المنطقة، (13) معلمة يأتين من مناطق بعيدة مختلفة، كبير نبالا وبيت أمر وبيت دقو.
ساحة المدرسة المنفس الوحيد للطلبة، لكنها تحولت منذ عدة أسابيع إلى منام عشرات المتضامنين والمعتصمين والصحفيين من أبناء شعبنا في مختلف المناطق، حيث لا تمر ليلة دون أن يبيت ما يقارب ال100 شخص دعما واسنادا لأهالي الخان، ونقل أخبارهم المباشرة.
بدأت التهديدات بإغلاقها منذ العام 2010، وفي إطار حربه النفسية والتهجيرية، وضع الاحتلال في العام 2012 كتلا إسمنتية وتمديدات حديدية يزيد ارتفاعها عن متر ونصف للحيلولة دون مرور الطلبة والمركبات للمدرسة وتحذير سكان المنطقة من دخولها.
كما استولى الاحتلال مطلع العام 2015 على ألعاب الأطفال في المدرسة، ألعاب الزحلقة والمراجيح والسيسو، في إطار حربه النفسية والتهجيرية.
قاطنو "الخان الأحمر" هم من أبناء عشيرة "الجهالين" البدوية، التي هجّرهم الاحتلال من أراضيهم في النقب في خمسينيات القرن الماضي، إلى مكان سكناهم الحالي. وهو واحد من 46 تجمعًا بدويًا فلسطينيًا في الضفة الغربية يواجه التهديد ذاته. ويقع التجمع ضمن الأراضي التي تستهدفها سلطات الاحتلال، لتنفيذ مشروعها الاستيطاني المسمى"E1"، عبر الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية الممتدة من شرقي القدس وحتى البحر الميت.