مراعٍ لا يدخلها أصحابها
الحارث الحصني
تمتد خلف إحدى التلال في منطقة "تل الحمة"، "بخلة حمد"، المطلة على الشارع الرئيسي الرابط بين شمال الأغوار ووسطها، مساحات واسعة من الأراضي الرعوية المفتوحة، التي ظلت على مدار عقود مكانا مناسبا للفلسطينيين؛ لرعي مواشيهم فيها.
و"تل الحمة" هي واحدة من عدة مناطق مفتوحة في الأغوار الشمالية، تسكنها عائلات فلسطينية، يستفيد ساكنوها من تربية الماشية، ببيعها والتجارة بمشتقات البانها بشكل كبير، إضافة لزراعات بعلية للحبوب.
وعلى مدار الأيام الماضية يحاول محمود عواد، أحد مربي الماشية، الوصول إلى تلك المراعي المفتوحة التي اعتاد منذ أربعين عاما أنا يرعى بأغنامه فيها، غير أنه يفشل في أغلب المرات.
والسبب يعود إلى أن مستوطنين أقاموا قبل سنتين تجمعا استيطانيا غير واضح التسمية فوق تلك التلة، وبدأوا بطرد الفلسطينيين من الأراضي الرعوية القريبة منه.
يقول عواد: "هذه الأمور باتت تحدث بشكل شبه يوميا (..)، كلما أردنا أن نرعى ماشيتنا في الأراضي الرعوية بالقرب من ذلك التجمع طاردَنا المستوطنون".
و"تل الحمة" قديمة الذكر عند اليونان. وذُكرت المنطقة الموجودة في "خلة حمد"، عند المؤرخين بأن فيها ينابيع المياه الساخنة، التي يُعتقد بأنها تساعد على الشفاء من بعض الأمراض.
ويبلغ عدد سكان "تل الحمة"، حسب الاحصاء الثالث لتعداد السكان والمنشآت العام الماضي، 77 شخصا، ويعتمد أغلبهم على تربية الماشية كمصدر أساسي في الحياة اليومية.
ويعيش سكان هذه المنطقة حياة دون مقومات، ولا يتعدى الأمر أكثر من خلايا شمسية، وخياما مقدمة من مؤسسات مانحة، تساعدهم في انارة خيامهم بشكل بسيط.
يقول مدير الدائرة الفنية في زراعة طوباس رافع عديلي: "الأراضي الرعوية هي الأراضي المفتوحة، والتي لا تستخدم في الزراعة المروية المنتشرة في بعض مناطق الأغوار، وتكون كمية الأمطار فيها أقل من 200 ملم في السنة".
ويشهد تل الحمة منذ سنتين نشاطا استيطانيا يتمدد بصمت، وبسبب ذلك الشيء تُسجل شبه يوميا حالات اعتداء يقوم بها مستوطنون ضد الرعاة الفلسطينيين، بحماية جنود الاحتلال المرافقين لهم.
وهذه المنطقة محاطة بعدة تجمعات استيطانية، مثل "ميخولا"، و"جفعات سلعيت"، وأقربها تجمع أقيم قبل سنتين دون اسم واضح، وهي لا تختلف عن مناطق في الأغوار الشمالية تشهد منذ فترة مضايقات يقوم بها المستوطنين.
وبحسب دراسة سابقة لمركز عبد الله حوراني التابع لمنظمة التحرير، فإنه يوجد في الأغوار الشمالية، ثماني مستوطنات ثابتة أغلبها ذو طابع زراعي وعسكري في آن واحد، بالإضافة إلى ثلاث بؤر استيطانية خلال العامين الماضيين لا تحمل أسماء واضحة.
يقول الناشط الحقوقي عارف دراغمة: "هناك تحالف واضح بين "الجيش"، والمستوطنين في هذه المناطق؛ من أجل طرد الفلسطينيين من هذه الأراضي، لتمهيد الطريق أم المستوطنين للتوسع".
ويعتبر مربو الماشية في الأغوار المناطق الرعوية مصدرا ثابتا في توفير الطعام لمواشيهم؛ لوجود كميات وافرة من القش، والعشب.
وبالقرب من تلك التلة التي تقابل مستوطنة "ميخولا"، وهي أول مستوطنة زراعية أقامها الاحتلال بعد احتلاله لكامل فلسطين التاريخية عام 1967، يقيم محمود عواد وأولاده بخيامهم.
ولم يقتصر اقامة التجمعات الاستيطانية على محيطها، بل يلاحظ باستمرار مستوطنين يجوبون بمواشيهم في المراعي المفتوحة في الأغوار، وهذا يدل بشكل أوضح على استيلاء المستوطنين على المراعي.
وخلال الأيام الماضية وبوتيرة آخذة بالارتفاع، ينشر دراغمة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، صورا، ومقاطع فيديو تبين منع المستوطنين لفلسطينيين من التواجد في المراعي القريبة من تل الحمة.
"أغلب الأيام تظل مواشينا في حظائرها، نحن في هذه الحالة سنطعمها العلف الذي نشتريه بثمن باهظ وهذه خسارة ثانية". قال عواد.
وتظهر الصور، ومقاطع الفيديو التي اجتاحت فضاء التواصل الاجتماعي، مستوطنين مسلحين يرعون بأغنامهم، ترافقهم قوات الاحتلال، وهم يمنعون الفلسطينيين من دخول الأراضي الرعوية ويطردونهم من المنطقة.
وبالنسبة لمربي الماشية من الفلسطينيين، فإن هذه الأراضي المفتوحة تساعدهم بشكل كبير على توفير الغذاء لمواشيهم.
قال دراغمة: "المراعي هي مصدر أساسي بالنسبة للمواطنين، إنها غنية بالقش، لكننا نوثق بشكل شبه متكرر مضايقات المستوطنين بحق أصحابها، لقد أصبحت لا تتسع لأصحابها".
"هذه مناطق مفتوحة تتراوح مساحتها ما بين 160-170 ألف دونم، يستولي عليها الاحتلال بشكل كامل". يقول عديلي.
وبحسب دراسة الحوراني فإن مساحة الأغوار 240 ألف دونم، وتشكل 60% من مساحة محافظة طوباس الكلية.