رصع الزيتون.. تقليد فلسطيني متوارث
بدوية السامري
من ساحة منزل عائلة ثابت في قرية عزموط شمال شرق نابلس، تسمع أصوات دق "رصع" الزيتون في ذات الوقت من كل عام.. ثلاث دقات الى أربعة وربما خمسة.
عدد تلك الدقات يعود لعدد الحبات التي تخرجها السبعينية خيرية ثابت من كيس الزيتون لترصعها.. يعم الصمت لثوان ثم تعاود الكرة.
في زاوية خاصة من الساحة تتربع الحاجة ثابت على الأرض وحولها "شوال" من الزيتون الأسود والأخضر، تفندها وتختار الصالح الأخضر منها وتدقه لتضعه بالماء قبل أن يتغير لونه من الرصع، وتبقي الأسود منه جانبا لتستخدمه لاحقا، وتقوم باستخدامه وتحضيره فيما بعد.
"مضينا حياتنا بالرصيع، ففي كل عام ننتظر موسم الزيتون لنرصعه ونأكل منه، من خير أرضنا بعد تحضيره" تقول ثابت.
لم تتوقف الحاجة عن الرصع خلال حديثها، وواصلت مع دق الحجر، كبرنا على قطف الزيتون ورصعه، ربما كان عمري 5 سنوات عندما بدأت الرصع، أكثر من سبعين عاماً من الرصع.
وأضافت ثابت: "لعائلتي حكاية مع الزيتون ورصعه"، "توفيت أمي وهي في عمر الخامسة والتسعين وهي ما زالت ترصع زيتونا في آخر أيام حياتها."
وتكمل: "قصة حب كانت بين شقيقي المتوفي وشجرة الزيتون، كان يقبلها دائما، فهي ما تعطيه الخير".
وقبل أن يحين موسم قطف الزيتون يتوجه الفلاحون لقطف ما يصلح منه لرصع الزيتون، وتحويله الى كبيس.
وعادة "الرصيع" التقليدية بالحجر حينا وبالهاون أحيانا، لم يتخل عنها الكثيرون رغم التطور في عملية الرصع واستخدام الآلات الحديثة، التي يعتبرونها أسرع، وتوفر الوقت والجهد حسب رأيهم، فالرصع ما زال تقليد حي في البيت الفلسطيني رغم التطور.. غير أن قلة من المزارعين ممن يبيعون كبيس الزيتون يتوجهون للآلات الحديثة لرصعه.
وفي المكان تطلب قريبة العائلة الهام عفانة، من الحاجة خيرية عدم الرصع قوياً وأن تخفف يدها قليلا عن الزيتون، لكي لا يخرج الحب منه.
عفانة اللبنانية الأصل، تزوجت وسكنت في عزموط منذ 23 عاما، تقول: "هو موسم الخير والبركة والتعاون بين الأهل والجيران والمقربين، له بعده الاجتماعي، مع أن ذلك اختلف بين أول وصولي الى عزموط الى وقتنا الحاضر، لكنني أنتظر الموسم كل عام لأتفنن بتحضير أنواع مختلفة من الكبيس"، أرصع أنا أيضا وأحوله الى كبيس بطريقتي"
وتضيف عفانة "ارتباط الجيل الشاب بالزيتون ليس كما عهدته من اولئك الأشخاص الكبار أول وصولي الى القرية، أحببت القرية لموسمها، ورصعت الزيتون وقمت بتحضير أنواعا مختلفة منه".
وتسافر عفانة الى لبنان سنوياً كما قالت، وفي كل مرة لا تجد أفضل من الزيتون بعد رصعه وكبسه لتأخذه هدية لأهلها، اضافة الى الزيت.
وتؤكد: "الزيتون المرصوع هدية مميزة وثمينة يمكن أن تقدمها لقريب أو لصديق لك".
بعد رصع الزيتون يوضع في الماء المالح لمدة اسبوع على الأقل، بحيث يتم تجديد المياه بصوره يومية، قبل أن يتم تخزينه بالماء بإضافة الليمون والملح والفلف الحار في أوعية محكمة الاغلاق.
وعائلة ثابت لا تبيع الزيتون المرصوع، فهي تقوم بتحضيره لتأكله أو ترسله لأبنائها المغتربين في الخارج.
محمود عفانة (82 عاما) والذي كبر بين أشجار الزيتون في عزموط يقول: "أخدم شجر الزيتون يخدمك" وكما قال المثل "الزيتونة مثل ما بدك منها بدها منك"، "قضيت عمري وأنا أخدم الزيتون وأعطاني من خيره".مشيرا الى أنه في هذه الأيام ومع تطور وسرعة استخراج الزيت والزيتون أًصبح طعمه أفضل من ذي قبل.
ويؤكد أن "الكبيس" داخل المنازل طعمه أكثر لذة من كبيس المعلبات التي تباع في الأسواق والتي غالبا ما تحتوي على مواد حافظة.
وتتفنن ربات الأسر في صناعة الكبيس، فمنهن ما يرصعنه، ومنهن ما يشرحانه بالسكين، ومنهن من ينزعن حبوبه ويقمن بحشوه بالجزر والمكسرات..