"أم فراس".. أيقونة الكفاح
ميساء عمر
14 عاما مرت، ولا تزال ليلة الاعتقال محفورة في ذاكرة "أم فراس"، تسرد قصة اعتقال زوجها علي حسان، وقد بدت قوية، كيف لا، وهي تناضل وحدها في سبيل حياة كريمة لها ولأبنائها؟!.
حسان ابن مدينة قلقيلية، اعتقل عام 2004، وتحديدا في الثالث عشر من شهر تشرين الأول من منزله، وحكم بالسجن المؤبد.
زوجته تسرد ليلة اعتقاله، قائلة: سمعت ضربات أرجلهم، هرعت إلى حسان، لأوقظه لكنه لم يصدقني، خلعوا باب المنزل، وصوبوا أسلحتهم اتجاهنا، احتضنت أطفالي الستة، أخذوا زوجي من أمامي دون وداعه، كنت أبلغ الـ24 عاما، ولم أكن أعلم وقتها أن السنوات القادمة ستضاعف متاعبي.
عندما تسأل "أم فراس" عما فعلته بعد اعتقال زوجها تتنهد أمام ذكريات "التعتير والفقر"، ولكن رغم ذلك تبدو ممتنة للظروف التي شجعتها للعمل كي تحسن وضعها، وترعى أبناءها.
وتقول: بعد اعتقال زوجي كان لا بد أن أعتمد على نفسي، كنت أبحث يوميا عن عمل، توجهت إلى الجمعيات والمؤسسات، وعملت بجمعية "الأمل الخيرية للصم" إلى اليوم، طباخة ومدبرة منزل وساعدني أهل الخير.
وتبين "أم فراس" أن زوجها حرص على تعليمها القراءة والكتابة، فكانت سلاحا لها أمام أبنائها لتظهر لهم أنها متعلمة وتشجعهم على الدراسة، لتراهم اليوم أمام أعينها فرحة، وفخورة بهم.
وتضيف: الحمد لله عَمِلتُ وعلمت أبنائي كما وعدتُ زوجي، ابني البكر فراس تخرج من الكلية العسكرية في أريحا، ومحمد تخرج من جامعة فلسطين التقنية– خضوري تخصص الهندسة الكهربائية، وأسامة وعمار طالبان في كلية التمريض بجامعة النجاح الوطنية، وابنتي عائشة طالبة في الأول ثانوي، وأصغرهم سنًا براء في الصف السادس، وجلهم مجتهدون في دراستهم ومتفوقون، ويا ليت والدهم بجانبنا ليرى ثمرة جهدنا.
ورغم التعب الذي بدا جليا على "أم فراس" إلا أنها تتمتع بابتسامة مفعمة بالتفاؤل والقوة والصلابة لمواجهة ظروف الحياة، وتستطرد: الله وهبنا في الحياة ليختبرنا وعلينا أن نقاوم متاعبها بكل ما نستطيع".
وتعيش "أم فراس" على ذكرى المقتنيات الخاصة التي تركها زوجها، فهي إلى اليوم تحتفظ بالقلم والدفتر الذي استخدمه حسان في تعليمها القراءة والكتابة، وتجلس ساعات طويلة وهي تنظر إلى الصورة الأخير التي جمعته مع أبنائه، وتقارنه بالصور التي يبعثها لها مع رفاقه المفرج عنهم، وتتأمل وتتذكر أجمل 10 سنوات في حياتها قضتها معه في جو عائلي فرح.
تتحدث الزوجة الصابرة عن المعاناة التي تتكبدها خلال موعد زيارة زوجها، بقولها: إن المعاناة الشديدة التي نتلقاها يوم الزيارة لا تقتصر على طول المسافة، بل تمتد إلى الإجراءات العنصرية التي يقوم بها الاحتلال، بدءا بالتفتيش، والتعرض لأبشع الإجراءات، عدا عن التصوير الإشعاعي، ومرورا بتركنا لساعات طويلة قبل الدخول، رغم أجواء الحر والإجهاد الذي نتعرض له.
ودخل الأسير حسان اليوم عامه الـ15 في سجون الاحتلال الإسرائيلي، حيث يقبع في سجن "جلبوع"، ويعتبر شاهدا على سياسة الاستهتار الصحي والإهمال الطبي المتعمد بحق الأسرى في سجون الاحتلال، فتعرض الأسير إلى خطأ طبي، أصبح على إثره طريح كرسيٍّ متحرك، بجسد ثقيل.
ويقول رئيس نادي الأسير في قلقيلية، لافي نصورة "جسد الأسير حسان كان من دون أية مشاكل، واختلف الأمر حين تلقى حقنة طبية خاطئة، واعترف الطبيب بخطئه الطبي، والذي يتحمل حسان وحده عاقبته وآثاره الآن، فمن صحة إلى شلل وكرسي متحرك".
أم فراس واحدة من الزوجات اللواتي يكابدن لوعة فراق أزواجهن الأسرى، السنوات "14" التي قضاها حسان بعيدا عن عائلته لم تكن بالسنين التي يمكن المرور عنها مرور الكرام، فعانت أم فراس الأمرين حتى تنعم بحياة ميسورة هي وأبناءها، والأمل دائما يراودها بأن زوجها وجميع الأسرى سيخرجون من السجن، وكلها يقين بأن هذه المحنة ستنتهي.