محرومون لم الشمل والزيت
زهران معالي
مع ساعات الفجر الأولى، شق المزارع محمد عصيدة من قرية تل جنوب غرب نابلس، طريقه برفقة ستة عمال إلى حقول الزيتون، لجني ثمارها التي ينتظرها بفارغ الصبر كل عام، إلا أن آماله تبددت بسرقة محصوله من غرباء جدد احتلوا تلة قريبة من أرضه بداية العام.
وعادة، يتميز موسم الزيتون بأنه يجمع شمل العائلات الفلسطينية كبارا وصغارا، أطفالا ونساء، إلا أن تلك الفرحة تختفي لدى المزارع عصيدة وغيره من المزارعين في ريف نابلس وتحديدا منطقة الجنوب، كلما اقتربنا من أراضيهم التي يخيم عليها شبح الاستيطان.
ومنذ أكثر من خمسة عشرة عاما، اعتاد عصيدة قطف ثمار الزيتون برفقة عائلته، في ثلاثة حقول يضمنها من أحد سكان قريته، تضم قرابة ثلاثمئة شجرة زيتون، إلا أنه اضطر هذا العام لاستئجار ستة عمال خشية على حياة عائلته، كما حال غالبية المزارعين في المناطق التي يمارس فيها المستوطنون عربدتهم.
لم يدع مستوطنو بؤرة "حفاد جلعاد" التي شرعنتها حكومة الاحتلال منذ بداية العام، المزارع عصيدة يشفى من مرارة قطعهم 150 شجرة زيتون معمرة من حقله الأول، كانت تنتج نحو قرابة 560 كغم من الزيت، حتى باغتوه بسرقة ثمار حقله الثاني وتقطيع غراسه الخمسين في الحقل الثالث.
يقول عصيدة لـ"وفا" بعد تمكنه من الوصول لأرضه صباحا بتنسيق يستمر لثلاثة أيام، إن فرحته لم تكتمل بزيارة أرضه، حيث تفاجأ بسرقة المستوطنين لثمار سبعين شجرة زيتون، كانت تنتج له نحو 420 كغم زيت سنويا.
في شهر تشرين الثاني الماضي تمكن عصيدة من الوصول لحقله الثاني وزراعة 50 غرسة زيتون جديدة، إلا أنه لم يتمكن من زيارتها سوى مرة واحدة في شهر آذار الماضي لحراثتها، وتفاجأ صباح اليوم بتقطيعها وتكسرها جميعا، بأيدي المستوطنين.
ويضيف "جاء الجيش ومنعني من التواجد فيها بحجة أن التنسيق لقطف الزيتون فقط، الاحتلال يسمح لنا بالدخول لأرضنا أربعة أيام فقط طوال العام، يوما لحراثتها وثلاثة أخرى لقطف ثمار الزيتون".
"اعمل مزارعا، اعتمادي على هذا المحصول لكن ضاع الموسم، هذا العام حرم المستوطنون أولادنا الزيت".. يؤكد المزارع عصيدة.
وتشير هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، إلى أن دولة الاحتلال أقامت منذ عام 1967 على أراضي محافظة نابلس، 26 بؤرة استيطانية على مساحة 2379 دونما، و12 مستوطنة على مساحة 17706 دونمات، وستة مواقع عسكرية و5 مناطق صناعية وسياحية وخدمية للمستوطنين.
وتبلغ مساحة مناطق النفوذ للمستوطنات في محافظة نابلس 23,839 دونما، فيما بلغت مساحة السياج الذي يحيط بالمستوطنات/بالدونم المقامة على أراضي المحافظة 7760 دونما، وفق ما تؤكد الهيئة.
ومع بداية موسم قطف الزيتون، تتزايد وتيرة الاعتداءات من قبل المستوطنين على الأراضي والمزارعين، إما عن طريق سرقة ثمار الزيتون أو تكسير الأشجار، أو الاشتباك مع المزارعين بشكل مباشر، وفق ما يؤكد مسؤول ملف الاستيطان شمال الضفة الغربية غسان دغلس.
"عصابات "الهاغاناة" الصهيونية عادت من جديد، في إشارة من دغلس إلى التصعيد في اعتداءات المستوطنين عبر مجموعات "تدفيع الثمن"، التي تهدف لتشريد أبناء شعبنا عبر استهداف الشجر والحجر والمياه وتدمير مقومات الصمود؛ لإجبار المواطنين على الرحيل.
ويحذر من هجمات للمستوطنين على قاطفي الزيتون بهدف القتل، خاصة بعد جريمة المستوطنين على حاجز زعترة العسكري التي أدت لاستشهاد المواطنة عائشة محمد الرابي (45 عاما).
"أغلب الاعتداءات التي ينفذها المستوطنون تكون تحت حماية وبحراسة من جيش الاحتلال"، يؤكد دغلس.
ويشير إلى أن المستوطنين دمروا قبيل موسم الزيتون وخلاله 90 شجرة في ترمسعيا، و80 في قرية الزاوية قضاء سلفيت، و45 في اللبن الشرقية، و60 في الساوية، و35 في بورين 35 شجرة زيتون، إضافة لاعتداء تل.
وينوه إلى أن المستوطنين ينفذون بين 15-18 اعتداء شهريا، تتوزع بين تكسير مركبات أو حرقها وخط شعارات عنصرية وقطع الأشجار وحرقها، واعتداء على المنازل والمدارس.
في بلدة حوارة، التي أقيمت على أراضيها مستوطنة "يتسهار" وعدد من البؤر الاستيطانية، وثقت كاميرا منظّمة متطوعين لحقوق الإنسان "ييش دين"، هجوما للمستوطنين على المواطن حربي عامر قبل يومين أثناء قطفه لأشجار الزيتون.
ويقول عامر لـ"وفا": "كانت عملية كر وفر بيننا والمستوطنين، منذ الصباح حتى وقت الظهيرة هاجمنا المستوطنون ثلاثة مرات بالحجارة".
ويضيف: أرضي لا تحتاج للتنسيق قرب المنازل في بورين، إلا أن المستوطنين هاجمونا أول مرة وغادرنا الأرض، وعدنا لقطف الزيتون من جديد، وعادوا لمهاجمتنا من جديد، الحجارة كانت مثل المطر فوق رؤوسنا".
لم ييأس المزارع عامر من العودة لأرضه للمرة الثالثة بعد أن غادر المستوطنون، إلا أنه تفاجأ بسرقتهم لأكياس الزيتون التي قطفها منذ ساعات الصباح والفرش.
"للأسف هذا العام لا استطيع العودة لقطف الزيتون نظرا لجرائم المستوطنين، هذا العام حرقوا 7 دونمات مزروعة بالزيتون لي، وأكملوا اجرامهم بسرقة الزيتون"، يؤكد عامر.
ويؤكد رئيس بلدية حوارة ناصر حواري، أن قرابة ألف دونم مزروعة بالزيتون من أراضي البلدة تمتد من قرية بورين حتى عينبوس، تحتاج لتنسيق مسبق لدخول المزارعين لقطاف الزيتون فيها؛ بحجة الضرورة الأمنية لقربها من مستوطنة "يتسهار" وثلاث بؤر استيطانية تحيط بها.
ويشير إلى أن التنسيق سيف مسلط على رقاب المزارعين، حيث يلغي الاحتلال التنسيق دون إبلاغ البلدية ويمنع المزارعين من دخول أراضيهم، كما يتعرض المزارعون لاعتداءات متكررة من المستوطنين.
وانطلق موسم قطف ثمار الزيتون في الضفة الغربية مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الجاري.
ويبلغ عدد أشجار الزيتون المثمرة في محافظة نابلس مليون و368 ألف شجرة مثمرة تتوزع على مساحة 114 ألف دونم، إضافة إلى 252 ألف شجرة غير مثمرة تتوزع على مساحة 21 ألف دونم، بحسب مديرية زراعة نابلس.
وتتوقع المديرية أن ينتج الدونم الواحد من الزيتون المثمر 50 كغم من الزيتون، وأن تصل نسبة سيل الزيت 22%، وأن تنتج المحافظة قرابة 1200 طن من زيت الزيتون، وهي نسبة قليلة مقارنة بالعام الماضي.
ويوضح مدير دائرة الخدمات في المديرية لؤي الغول لـ"وفا"، أن مساحات واسعة من الاراضي المزروعة بتلك الأشجار محاذية للمستوطنات خاصة في مناطق الجنوب والشرق من المحافظة، مشيرا إلى أن المديرية وثقت 810 أشجار زيتون تعرضت للحرق والتدمير من قبل المستوطنين منذ بداية 2018.
ويعزو الغول أسباب تراجع الإنتاج، لقلة الاهتمام بأشجار الزيتون خاصة في المناطق المحاذية للاستيطان، فالاحتلال لا يسمح للمزارعين بدخول أراضيهم سوى أيام قليلة خلال العام، وفيما يخشى المزارعون على حياتهم كلما توجهوا لأراضيهم من اعتداءات المستوطنين المتكررة، الأمر الذي يحول دون قيام المزارعين بالعمليات الزراعية التي تحسن الإنتاجية.
ووفق سجلات مديرية زراعة نابلس، فقد دمر المستوطنون منذ بداية العام إضافة لأشجار الزيتون المذكورة، 225 شجرة لوزيات و13 نخلة و60 شجرة عنب و20 شجرة تين، إضافة لتدمير 300 دونم مزروعة بالقمح، وسرقوا وذبحوا وسمموا أكثر من 40 رأس ماشية.