تقدير موقف: الحلبة السياسية الإسرائيلية: بين الثبات والتغيير!
عالجت ورقة تقدير موقف صدرت عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- "مدار"، اليوم الثلاثاء، التحركات والديناميكيات التي تشهدها الحلبة السياسية الإسرائيلية في الآونة الأخيرة، والتي تحدث في ظل الغموض الذي يكتنف مصير الكنيست الحالي ما بين فرص بقائه واحتمالات حله.
وحسب الورقة: يترك هذا الغموض اللاعبين السياسيين في حالة ترقب وتردد في نفس الوقت، غير أن المشهد السياسي الإسرائيلي يشهد ديناميكيات سياسية تدل على أن هناك انتخابات في الأفق، أو على الأقل تؤكد أن الانتخابات المقبلة لن تجري في موعدها.
وما يثير المسألة هو أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يُعتبر الشخص الوحيد القادر على تحديد موعد الانتخابات لأنه لن يعلن عن انتخابات مبكرة إلا إذا رأى أن الأمر مواتٍ له.
على أي حال، تقدّر هذه الورقة أن الواقع الانتخابي الحالي لا يزال غير قادر على طرح بديل جدي لنتنياهو، فضلا عن أن الصراع على القواعد الانتخابية بات داخل المعسكرات نفسها وليس بينها، أي داخل معسكر الائتلاف وبين مركباته، وداخل المعارضة وبين مركباتها.
توطئة
يشير قانون أساس الكنيست إلى أن الكنيست يستطيع طرح قانون لحل نفسه، والتصويت عليه، وبذلك يتحوّل الكنيست إلى كنيست مؤقت حتى انتخاب الكنيست الجديد، ويوضح القانون أن موعد الانتخابات يكون بعد تسعين يوما من التصويت على حل الكنيست.
يعتبر الائتلاف الحكومي الحالي الأكثر استقرارا منذ عقود. ويمتد عمر هذا الكنيست وما أعقبه من ائتلاف حكومي من عام 2015، وذلك لانسجام المواقف السياسية- الدبلوماسية (خصوصا حيال الموضوع الفلسطيني) بين مركبات الحكومة. وبالرغم من تباين مواقف هذه المركبات إزاء بعض القضايا التي تتعلق بمسألة الدين والدولة، والتصورات الاقتصادية، ومكانة السلطة التشريعية في مقابل مكانة السلطتين الأخريين التنفيذية والقضائية، فإن هذه التباينات لم تعد ذات تأثير على زعزعة الحكومة الحالية. كما أنه بالرغم من التوتر بين مركباتها بين الحين والآخر حول قضايا في الشأن الداخلي، فإنها استطاعت أن تتجاوز هذه التوترات بشكل ناجح. وقد يكون هذا الأمر ناجماً عن عاملين مركزيين:
أولاً، قناعة قوائم وأحزاب الائتلاف الحكومي أنه لا بديل عن الليكود في الحكم عموما، ونتنياهو خصوصا، في المشهد السياسي الإسرائيلي، مما يدفعها للبقاء في هذه الحكومة.
ثانياً، تخوف هذه القوائم من تراجع تمثيلها البرلماني في الانتخابات، بالذات لصالح الليكود أو لصالح حزب جديد قد يظهر على الساحة السياسية، كما تظهر آخر استطلاعات الرأي العام في إسرائيل.
وتشير بعض التقديرات الإسرائيلية إلى أن قانون التجنيد للشبان اليهود الحريديم (المتشددين دينياً) قد يكون سبباً في حل الكنيست، وهو التحدي الأخير الذي يواجه الائتلاف الحكومي بعد أن تجاوز الكثير من الخلافات الداخلية، مثل "قانون القومية"، والعمل أيام السبت. بيد أن أعضاء في الائتلاف الحكومي يعتقدون أن هذه المسألة أيضا قابلة للحل إذا تدخل نتنياهو بشكل شخصي في الموضوع، لكن نتنياهو يبقي هذه المسألة مشتعلة حتى يستغلها ويحل الكنيست متى شاء بادعاء أن مركبات الائتلاف الحكومي غير قادرة على التوصل إلى تسوية في الموضوع. وتدرك أحزاب الائتلاف هذه الحقيقة ولذا فإنها تصعد من مواقفها حيال هذه المسألة حتى تحافظ على رضى قواعدها الاجتماعية، لكنها إذا تيقنت بأن نتنياهو غير راغب في حلها وفي الاستمرار بالحكومة حتى نهاية مدتها القانونية، فإنها حتما سوف تقبل التوصل إلى تسوية في هذا الشأن.
تبقى مسألة أخرى تؤثر على احتمال تقديم الانتخابات وهي مسألة قضايا الفساد المتهم نتنياهو بها، فقد كان متوقعا أن تنتهي هذه القضايا من حيث التحقيق وتقديم لائحة اتهام من مدة، إلا أن مماطلة المستشار القانوني للحكومة حالت دون معرفة أفق هذه القضايا، ويعتقد الكثير من المراقبين أن فيها مماطلة واضحة من طرف المستشار القانوني، وبات واضحا أن هذه القضايا لن تؤثر كثيراً على المشهد السياسي فيما يتعلق بتقديم الانتخابات، فحتى لو قدم المستشار القانوني لائحة اتهام ضد نتنياهو فإن فترة الاستماع قد تأخذ عدة أشهر، وفي كل الأحوال أعلن نتنياهو أنه لن يستقيل حتى لو قدم المستشار القانوني لائحة اتهام ضده، كما أن موقف الكتل الائتلافية في الحكومة ليس واضحا حتى الآن، وباستثناء وزير المالية موشيه كحلون وحزبه "كلنا" ليس هناك موقف ثابت من استمرارها في الحكومة في حالة توصية المستشار القانوني للحكومة بتقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو، وبعض الكتل لم تعد تربط بين مجرد تقديم لائحة اتهام واستقالتها، بل ستبني موقفها على أساس مضمون لائحة الاتهام وخطورة بنودها.
المشهد الانتخابي الحالي
تشير استطلاعات الرأي العام، التي أجريت في الأسابيع الأخيرة، إلى أن تمثيل الليكود في الكنيست يحافظ على ثباته على الأقل، بينما يأتي حزب "يوجد مستقبل" برئاسة عضو الكنيست يائير لبيد في المكان الثاني بفارق كبير يصل الى اثني عشر مقعدا. وبحسب كافة الاستطلاعات التي أجريت في الفترة الأخيرة فإن الليكود ونتنياهو سوف يستمران في رئاسة الحكومة الإسرائيلية. وكان نتنياهو قد وضع سقفا للتمثيل البرلماني الذي يريده وهو 40 مقعدا، الأمر الذي أدخل شركاءه من اليمين في حالة من الضغط. فمثلا كانت قوة حزب "البيت اليهودي" برئاسة الوزير نفتالي بينيت عشية الانتخابات السابقة (حسب استطلاعات الرأي) قد وصلت إلى 12 مقعدا، إلا أن الليكود أخذ منه (في الانتخابات الحقيقية) أربعة مقاعد في الأيام الأخيرة، وواضح أن زيادة تمثيل الليكود تأتي من داخل معسكر اليمين، وليس من خارجه.
ويبدو واضحا في هذا الصدد أن نتنياهو ينتظر الفرصة المناسبة ليعلن عن تقديم الانتخابات. بالنسبة لنتنياهو كان العام 2018 ربما الأفضل في تاريخ مسيرته السياسية، فقد حقق فيه إنجازات كبيرة، إذ تم نقل السفارة الأميركية الى القدس، وألغي اتفاق دولي بشأن مشروع نووي لإيران بتشجيع ودفع من نتنياهو، ومكانته الدولية تزداد، وشعبيته في ارتفاع برغم التحقيقات ضده، وأصبح حزب الليكود تحت سيطرته من دون منافس يذكر.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن اليمين الإسرائيلي سيعود إلى السنوات التي سبقت الانتخابات المباشرة لرئيس الحكومة، والتي ساهمت في ضعف الأحزاب الكبيرة، حيث سيعود الوضع كما كان، حزب يميني كبير (الليكود) وأحزاب يمينية صغيرة (أقل من عشرة مقاعد)، وهذا يجعل مركزية الليكود كبيرة في اليمين الإسرائيلي، ويقلل من قدرة شركائه في اليمين على ابتزازه أو الضغط عليه.
بناء على ذلك، الصراع داخل معسكر اليمين على قواعده الاجتماعية يحتدم في الفترة الأخيرة، ومن تعابيره الأساسية:
أولا: التلاسن العنيف بين وزير التربية والتعليم نفتالي بينيت، رئيس "البيت اليهودي"، ووزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، حول الموقف الأمني من قطاع غزة، حيث يحاول كل منهما الظهور بموقف المتشدد أمنيا حتى يكسب نقاطاً لدى قواعد اليمين.
ثانيا: عدم مهاجمة نتنياهو فيما يتعلق بالموقف من قطاع غزة، حيث أن مهاجمته بصفته الزعيم الأوحد لليمين يضعف من يهاجمه داخل اليمين، لذلك تهاجم مركبات الائتلاف بعضها البعض.
ثالثا: انزياح وزير المالية موشيه كحلون إلى اليمين المتطرف فيما يتعلق بمكانة المحكمة العليا و"قانون القومية" وموافقته على "قانون الولاء في الثقافة" الذي طرحته وزيرة الثقافة ميري ريغف.
المعارضة
أما فيما يتعلق بالمعارضة الإسرائيلية الحالية، فإن السجال يدور بالأساس حول إمكانية خوض رئيس هيئة الأركان السابق، بيني غانتس، المعترك السياسي، إما من خلال حزب جديد يرأسه، أو من خلال انخراطه في صفوف حزب العمل وتنصيبه رئيسا له، أو من خلال انخراطه في كتلة معارضة كبيرة كتلك التي تقترحها تسيبي ليفني، رئيسة المعارضة الحالية.
في هذا الصدد فإن النقد على رئيس حزب العمل، آفي غباي، ازداد في الشهور الفائتة، بل وتصاعد في الأيام الأخيرة بسبب تراجع حزب العمل في استطلاعات الرأي، وتحوله الى المكان الثالث من حيث التمثيل البرلماني بعد حزب "يوجد مستقبل". وتزداد داخل الحزب الأصوات المطالبة بإعطاء رئاسة الحزب إلى غانتس حتى يخرج العمل من مأزقه الحالي.
لم يحدد غانتس حتى اللحظة موقفه من الانتخابات وطريقة دخوله إلى الحلبة السياسية، لكن حتى في حال دخوله إلى الحلبة السياسية بحزب جديد، فإن ذلك سيكون على حساب مقاعد من معسكر المعارضة بالأساس، ولن يشكل تهديدا لحكم الليكود. لذلك تعتقد ليفني أنه فقط من خلال كتلة معارضة كبيرة تضم أحزابا عديدة يمكن طرح بديل جدي لحكم الليكود. المشكلة في هذا الطرح أن السياسة الإسرائيلية تتجه في السنوات الأخيرة نحو فكرة الكتل الكبيرة، فكتل اليمين تشكل قوة انتخابية أكبر من كتل المعارضة من دون القائمة المشتركة.
أما بالنسبة لحزب "يوجد مستقبل"، والذي كان منذ شهور يقترب من الليكود من حيث عدد المقاعد، فقد تراجع تمثيله لا سيما بعد خطوة نقل السفارة الأميركية إلى القدس والتي أعطت نتنياهو دفعة سياسية قوية، وأصبح الفارق بين الليكود وحزب لبيد، بحسب استطلاعات الرأي، يفوق عشرة مقاعد، الأمر الذي يجعل إمكانية أن يكون حزب "يوجد مستقبل" بديلا لليكود احتمالاً في غاية الصعوبة.
في ضوء كل ما تقدّم تشير التحولات الحالية في الحلبة السياسية الإسرائيلية إلى حراكات انتخابية حذرة جدا بسبب حالة الغموض حول موعد الانتخابات، وهذا الأمر يعطي أفضلية لنتنياهو في تحديد إيقاع تطورات الحلبة السياسية، فهو الوحيد القادر على تحديد موعد حل الكنيست ويحتفظ بذلك لنفسه.
وتتعامل الاستطلاعات مع احتمال ظهور حزب جديد، برئاسة عضو الكنيست أورلي ليفي- أبكسيس، نجلة وزير الخارجية الإسرائيلي السابق دافيد ليفي، والتي انشقت مع مقعدها عن حزب "إسرائيل بيتنا" برئاسة ليبرمان عندما قرر الأخير دخول الائتلاف الحكومي. وتتوقع الاستطلاعات حصول حزب أبكسيس على خمسة مقاعد، وهي مقاعد سوف تأخذها كما تشير استطلاعات الرأي من حزب "كلنا" برئاسة وزير المالية كحلون، حيث سيركز حزبها على الجانب الاجتماعي والاقتصادي، ولكن لا شك في أن مواقفها السياسية هي مواقف يمينية.
في هذا السياق وبسبب الفجوة الصغيرة بين معسكر الائتلاف ومعسكر المعارضة، كان نتنياهو قد طرح فكرة خفض نسبة الحسم التي تم رفعها في دورة الانتخابات السابقة، وذلك بهدف تمكين حزب يميني صغير، وهو برئاسة الوزير وعضو الكنيست السابق إيلي يشاي، المنشق عن حركة شاس، من دخول البرلمان. ففي الدورة السابقة حصل هذا الحزب على نحو أربعة مقاعد، لكنه لم يتجاوز نسبة الحسم التي رُفعت باقتراح من ليبرمان لضرب الأحزاب العربية، إلا أن اليمين خسر بسببها أربعة مقاعد. وهذا المقترح لخفض نسبة الحسم لا يزال محل سجال في داخل الائتلاف الحكومي نفسه، وهناك معارضون لذلك كل حسب مصالحه، فشاس تعارض هذا الأمر لأنها لا تريد دخول يشاي الى البرلمان، بالرغم من أن بقاء نسبة الحسم كما هي الآن يهددها أيضا، فشعبية الحركة تراجعت في السنوات الأخيرة بشكل كبير، وتشير الاستطلاعات إلى أنها قد تحصل على خمسة مقاعد فقط، وهو انهيار كبير جدا لهذه الحركة التي كانت في التسعينيات أحد أبرز نجاحات الحلبة السياسية الإسرائيلية. كما يعارض حزب "البيت اليهودي" هذه الفكرة لأنه يريد أن يحافظ على مكانته كممثل لليمين الاستيطاني الديني، وكعنوان لليمين الإيديولوجي، كما أنه يخشى من أن نتنياهو يخطط من خلال خفض نسبة الحسم لتوسيع تمثيل اليمين، وبذلك يقلل من قدرة حزب "البيت اليهودي" على المناورة وقت تشكيل الحكومة.
وفي الجهة الأخرى، فإن حزب ميرتس سيحافظ على قوته تقريبا وربما يزيد مقعداً واحداً على حساب حزب العمل، الذي لا يزال يتراجع ولم يجد المعادلة للخروج من أزمته الحادّة، وقد يتحول في ظل بقاء هذا الواقع إلى القوة الرابعة في الحلبة السياسية الإسرائيلية.
إجمال
تشير تحولات الحلبة السياسية الإسرائيلية في ظل الوضع الراهن إلى الأمور التالية:
أولا: سيكمل الليكود بقيادة نتنياهو رئاسة الحكومة، مع تغييرات طفيفة في تشكيل الحكومة، وإعطاء مركزية أكبر لليكود في الحكومة على حساب أعضاء الائتلاف الذين سوف تتراجع قوة أغلبهم.
ثانيا: لن يستطيع حزب العمل النهوض من حالته المتأزمة إذا ما بقي غباي رئيسا للحزب، وحتى لو استطاع حزب العمل استقطاب غانتس إلى صفوفه فإن ذلك سوف يرفع من تمثيل الحزب في الكنيست، لكنه لن يصل الى قوة الليكود.
ثالثا: سيبقى ميزان القوى بين المعسكرات (المعارضة والائتلاف) لصالح الائتلاف اليميني الحالي، ولكنه لن يكون كبيرا، غير أن المعارضة لا ترى في القائمة المشتركة حليفا لها في مسعاها لتغيير حكم الليكود.
رابعا: سيتحول المشهد الانتخابي إلى مشهد مثير، بحيث يكون هناك حزب واحد كبير، وثلاثة أحزاب متوسطة الحجم، وباقي الأحزاب ستكون صغيرة، بمعدل قد يصل إلى أقل من عشرة مقاعد لكل منها.