ليلة اجتياح بيت ريما
إيهاب الريماوي
ليلة الرابع والعشرين من تشرين الأول 2001، بتعزيزات العشرات من المدرعات، والدبابات، وبمساندة طائرات "الأباتشي"، اجتاح نحو 1000 جندي اسرائيلي بلدة بيت ريما شمال غرب مدينة رام الله، للبحث عن مطلوبين، خلفوا وراءهم 5 شهداء.
بعد انسحاب جيش الاحتلال من البلدة، خرج الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش بتصريح، قال فيه: إن هذه البلدة (بيت ريما) منبع للإرهاب"، في دلالة واضحة للعمل النضالي لأهالي البلدة، المقدر عددهم حينها بـ الـ4000 نسمة.
دبابة إسرائيلية وقفت عند مدخل البلدة، وألقت جثامين الشهداء الخمسة على قارعة الطريق، بعد مطاردة وصفت بالأعنف، كون هذا الاجتياح هو الأول منذ اندلاع انتفاضة الأقصى.
الأسير ظافر الريماوي المحكوم بالسجن 32 عاما، والذي تواصلنا معه من خلال محامي هيئة شؤون الأسرى والمحررين، تحدث لنا عن تفاصيل ليلة الاجتياح، بقوله: "أصبحنا على بعد خطوة واحدةٍ من الموت، لم يكن يفصل أمامنا سوى أمتار قليلة عن مئات الجنود، كنا وسط كرة ملتهبة من النار، تراجعنا إلى الخلف، بعد إطلاق رصاص كثيف من طائرة "أباتشي" كانت تجوب سماء البلدة".
ويضيف: شأنها شأن أي مكان في الضفة الغربية، كانت بيت ريما تتميز بفعلها النضالي، ونوعية هذا الفعل في أوج انتفاضة الأقصى، لمقاومة الاحتلال.
ثلة من المطلوبين لجيش الاحتلال يتحصنون داخل بناية سكنية مكونة من أربعة طوابق، وفي حدود الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، شعر ظافر بحركة في محيط البناية، ولما أطل من الشرفة التي كان فيها مع 5 آخرين، شاهد عشرات من جنود الاحتلال في محيط البناية.
اتخذ ظافر ورفاقه قرارا بضرورة الانسحاب، ولما وصلوا عتبات المبنى أطلقت طائرة "أباتشي" رصاص كثيف، لم يكونوا هم الهدف، لكن لقوة الصوت، ظنوا بأنهم المستهدفين وتراجعوا إلى الخلف، اكتشفوا لاحقا بأن وحدات الجيش الخاصة كانت تحاصر منزلا مجاورا اعتقادا بأن منفذي اغتيال "زئيفي" يتحصنون بداخله.
لحظات وقرر الرفاق الستة الانسحاب، كانوا يخرجون فرداً فرداً، يخرج الأول ثم يؤمِّن للثاني، وهكذا، لم يكن بفصل بينهم وبين ظهور الجنود سوى 20 متراً فقط.
"وقفنا على عتبات الموت، لم نكن نملك الرؤية الكافية للجنود، كان القصف شديداً في كافة أرجاء البلدة، الطائرات تقصف والدبابات تطلق قذائفها، أصبحنا وسط نار ملتهبة، لم يكن لدينا القدرة على اتخاذ أي قرار، لم نكن سوى 6 في مواجهة مئات الجنود" يضيف الأسير الريماوي.
تمكن الشبان الستة من الاختباء داخل مغارة في أحد أودية البلدة، وعند الصباح انسحبوا باتجاه قرية دير غسانة القريبة، ومن هناك إلى مدينة سلفيت.
وفي الطريق حاول ظافر الاتصال بأهله في البلدة لكن لم يكن أحد يجيب، فاتصل بجيرانهم، حيث كانت والدته هناك وأبلغته أن مدرعات الاحتلال أطلقت النار باتجاه منزلهم، ما اضطرهم لإخلائه، ولم تكن تعلم مصير زوجها الذي شاع خبر استشهاده بين أهالي البلدة.
تمكن الاحتلال من اعتقال ظافر في الثاني من نيسان 2002، بعد حصار مقر الأمن الوقائي في بيتونيا غرب رام الله، بعد عدة محاولات فاشلة لاعتقاله، منها حصار منزل في سلفيت تمكن خلاله من الانسحاب بعد اشتباك استشهد فيه اثنان من رفاقه، ويصف تلك اللحظات بالمواجهة المباشرة مع الموت الذي أصبح معتادا عليه، ولم يكن يهابه.
وعلى مدخل البلدة كانت المعركة على أشدها، تسللت وحدات خاصة من جيش الاحتلال من بين حقول الزيتون باتجاه مقر الأمن الوطني، كان القرار واضحا بإعدام كافة أفراد الأمن، أصيب كل من على الحاجز، وأسفر عن استشهاد 3 من أفراد الأمن الوطني.
إحدى المشاهد الخالدة في تلك الليلة بعد أن كشفت طائرة إسرائيلية ثلاثة من أفراد الأمن أثناء انسحابهم من الحاجز، كانوا وقتها في أرض خالية لا توجد فيها سوى شجرة بلوط صغيرة يحتمون في ظلها، وكان القرار بالاشتباك مع الطائرة التي أطلقت الرصاص الثقيل تجاههم، فاستشهد اثنان، وأصيب ثالث بجروح.
تركز الهجوم الآخر على مقر الشرطة الفلسطينية الذي يقع جنوب البلدة، حيث أعدم شرطيان، وتمكن آخرون من الانسحاب.
اعتقل الاحتلال يومها كافة الجرحى وأغلبهم من عناصر الأمن الوطني والشرطة، لم يتمكن الاحتلال من اعتقال أي من المطلوبين لديه، جميعهم اعتقلوا لاحقا.
الدكتور باسم الريماوي الذي عاين كافة المصابين بعد أن تم اصطحابه من قبل جيش الاحتلال، قال: إن الإصابات كانت بقصد القتل، حيث أن جميعها متركزة في الصدر والرأس.
وأضاف: بعد اكتمال اقتحام جيش الاحتلال للبلدة تلقيت عشرات الاتصالات من قبل الأهالي، كانوا يبلغونني عن جرحى وشهداء في مناطق قريبة منهم، حاولت الخروج في الساعات الأولى من الاقتحام لكن جنود الاحتلال الذين صادفتهم وسط البلدة هددوني بالقتل.
كل الاصابات في الصدر وما فوق، والهدف منها القتل، وإطلاق النار كان بقصد القتل بقرار منذ الاجتياح.
ولكي تتم وحشية الاحتلال على أكمل وجه، منع طواقم الإسعاف والصليب الأحمر والصحفيين من دخول البلدة التي هدم فيها يومها 5 منازل، وقصف منزلا، وجرف أراضي، وتعمد إحداث دمار كبير في شوارعها.
الصحفي أحمد زكي الذي حاول الدخول للبلدة مع طواقم الصليب الأحمر، قال: حاولنا الدخول للبلدة من الجهة الجنوبية لبيت ريما، برفقة طواقم الصليب الأحمر، لكن الاحتلال استدعى مدرعة مزودة برشاش وهددونا بإطلاق النار إذا حاولنا الدخول.
وأضاف: عند الخامسة مساءً حاولنا الدخول مرة أخرى من خلال طرق ترابية وجبلية، لكننا اصطدمنا بوحدات أخرى، كانت البلدة عبارة عن ثكنة عسكرية، اضطررنا للعودة إلى رام الله.
حسب ما توفر من مصادر معلومات، فإن وزير الحرب الاسرائيلي السابق شاؤول موفاز كان يشرف ويتابع عن كثب تطورات الأوضاع في بيت ريما.
وفي تلك الفترة كان في بيت ريما أكثر من 20 مطاردا، لاحقا اعتقلوا جميعهم، منهم: الأسير عبد الله البرغوثي 67 مؤبدا، والأسير بلال البرغوثي 16 مؤبدا و35 عاما، والأسير مجدي الريماوي مؤبد و80 عاما، والأسير باسل الأسمر مؤبد و80 عاما، والأسير حمدي قرعان مؤبد و100 عام، والأسير محمد فهمي الريماوي 100 عام، والأسير تامر الريماوي مؤبد، والأسير ظافر الريماوي 32 عاما، والأسير عبد الكريم الريماوي 25 عاما، والأسير رشدي الريماوي 29 عاما، وشقيقه أحمد 25 عاما.