دولة فلسطين أمر استراتيجي للعالم!!
كتب: سلطان الحطاب
هذا هو عنوان الزيارة وهو التأكيد على هذه المسألة الهامة وهي أن إقامة الدولة الفلسطينية – المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني، وعاصمتها القدس الشرقية، هي ما تطالب به سلطنة عُمان وتتمسك به.. من قبل ومن بعد، وحين زار الرئيس محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية مسقط وأيضا حين زارها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو.
سلطنة عُمان التي يقودها قائد حكيم كما وصفه الرئيس محمود عباس، لا تزايد على أحد ولا تناقص في القضية وهي تقدم خطابا مقبولا ومقروءا وقابلا للإعراب.. وخطاب السلطنة في عديد من القضايا وخاصة في القضية الفلسطينية خطاب بتفسير واحد لا يقبل التأويل أو الجدل، فما تقوله السلطنة فوق الطاولة هو ما يمكن أن يكون تحت الطاولة أيضا بلا تزويق أو تحريف، فلدى السلطنة من خلال مسؤوليها من الشجاعة والحيادية والنزاهة ما يدفعها لقول الحق الذي تراه غضب من غضب أو رضي من رضي.
ومن استمع إلى إجابات الوزير يوسف بن علوي في قناة الجزيرة يدرك هذه الحقيقة فليس لدى عُمان التي تملك رصيدا وافرا من النزاهة في اتخاذ المواقف بعيدا عن المصالح الضيقة والأهواء والتوظيف السلبي ما تخفيه، وهذا الرصيد كفيل أن يحفظ لها صورة يراها العالم وقد انفردت فيها واستمرت، وكرست عملا في سبيل المساعدة وتأكيد قيمة السلام الدولي.
أرادت السلطنة أن تتلمس الحال الفلسطينية وأن تتوقف عليه وتدرك أبعاده المعاصرة ليكون رأيها صائبا وحكمها معللا، ولذا جاء قول بن علوي ليس من رأى كمن سمع في زيارته الأولى والتاريخية إلى فلسطين والتي يعاودها الآن وقد حمل رسالة من السلطان إلى الرئيس محمود عباس، يؤكد فيها دعم السلطنة للمواقف الفلسطينية وتمسكها بخيار حل الدولتين، وهذا ما ظل يدعو له الرئيس عباس حين ظل يطالب النظام العربي في دوله المختلفة دعما سياسيا لفلسطين ولشعبها بالتأكيد على المبادرة العربية الداعية إلى حل الدولتين وإنفاذ قرارات الشرعية الدولية وخاصة في موضوع حق العودة وإيجاد حل لهذا الحق.
بن علوي يتحرك بمرونة يحسده عليها الآخرون فهو يرى أنه كلما تعقدت الأمور زادت الحاجة إلى الحل، ويرى من خلال الخبرة العُمانية المتراكمة للدبلوماسية العُمانية التي أطلقها السلطان قبل نحو نصف قرن، أن عُمان قادرة على تقديم فائض فهمها وإرادتها وإيمانها بقضايا المنطقة والإقليم وحاجة هذه القضايا للتعامل الشجاع والجريء والذي يعترف بالواقع ويتعامل معه دون "حرد" أو هروب للأمام.
الجرأة العُمانية هي لدى العُمانيين موقف لا بد أن يقفوه، وعمل لا بد أن يصنعوه، ورأي لا بد أن يقدموه، وهي نابعة من قناعة لا مزايدة، ولا بحث عن شهرة أو تسديد فاتورة لأحد، فالسلطنة كانت وما زالت تتمتع بحكمة قائدها وإسناد مواطنيها لسياسة هذا القائد الذي لم يكذب أهله ولم يخدعهم أو يساوم على صورتهم التاريخية والمعاصرة.
بن علوي من رام الله مرة أخرى، ومن القدس وبيت لحم والخليل ومن داخل الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية ومن بين صفوف الناس والاستماع إلى معاناتهم، تكلم عن الحل وعن الحوار وعن ضرورة أن تقوم الدولة الفلسطينية كأمر استراتيجي لا يجوز تركه أو الهروب منه أو المساومة عليه.
بن علوي جاء إلى البيوت من أبوابها وقد استأذن وسلم على أهلها وكان سعيه في النهار الابلج وتحت عدسات وسائل الإعلام، حط في مهمته الجليلة حيث يجب أن يكون وقد استمعت إليه القيادة الفلسطينية وأسمعته خاصة وأن الزيارة العُمانية جاءت عشية اتخاذ قيادة السلطة الوطنية من خلال المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية قرارات كانت مؤجلة وهي غاية في الأهمية، رد فيها الشعب الفلسطيني على استمرارية العدوانية الإسرائيلية التي تريد تأبيد الاحتلال وتثبيت أمر واقع جديد لا يسهل الخروج عليه.
القرارات الفلسطينية التي اتخذها الرئيس عباس لاقى شعبه فيها في منتصف الطريق قاطعا كل أشكال المزايدة وناقدا للقعدة الذين تخلفوا عن القرار الفلسطيني الصعب والهام في هذه المرحلة الخطرة، وهؤلاء القعدة الذين فتنتهم نظرياتهم وأخذتهم عزتها بالإثم والذين لا يرون من فقه الواقع أبعد من بياناتهم وجملهم الإنشائية وإدمانهم لذرائعهم التي لم تنجهم من المساءلة ولن تنجيهم حينما طعنوا مسيرة الشعب الفلسطيني وفكوا التزامهم بها وهم يرون زحف صفقة القرن التي تريد تصفية القضية الفلسطينية وهي الصفقة التي واجهها الرئيس ابو مازن وما زال يواجهها بصلابة من خلال إدانة الموقف الأميركي من القضية الفلسطينية باعتباره موقفا منحازا لإسرائيل ومتماهيا في مواقعها وحتى مزايدا على تلك المواقف لتكون هذه الإدارة الأميركية الرعناء ملكية أكثر من الملك.
بن علوي أيها المنتقدون للزيارة والمزايدون عليها ممن لم تعرف بضاعتهم غير الكلام والمزايدات لم يأت ليثني الرئيس عباس عن قراراته ولم يكن ليتدخل في الشأن الفلسطيني أو يضغط على متخذ القرار بل جاء ليسمع وينصح ويقدم رأيا ومساعدات، ويقف إلى جانب الشقيق حيث يجب أن يقف. فقد كان يمكن لعُمان أن تكرر الخطاب العربي الممجوج "نقبل بما يقبل به الفلسطينيون" دون أن تحرك ساكنا للمساعدة ودون أن نجعل مع دعواتها قليل من القطران.
لقد انتقد بن علوي في اجتماع الجامعة العربية الخطاب العربي من القدس واعتبره ليس كافيا بل أنه رأى فيه تكريسا للاحتلال وصمتا على الرواية الإسرائيلية، ولذا دعا إلى الحركة التي ظل يعتبرها بركة وقال لقومه من العرب ولمن آمنوا بالسلام اسعوا في سبيل السلام لا تيأسوا ولا يأخذنكم شنأن قوم ألا تعدلوا .
كانت عُمان ناجحة في أكثر من اختبار ومهمة وقد لفتت انتباه العالم حين ساعدت على انجاز الاتفاق النووي الأميركي الإيراني وحين ما زالت حتى اليوم ترى إمكانية للتحرك في هذه المسألة المعقدة بفرض عقوبات قادمة على إيران بعد أيام وترى أن الشعب الإيراني يستحق المساعدة وان التحرك ليس من اجل أي نظام وإنما لحماية المصالح المشتركة والأمن في منطقة قابلة للاشتعال وهي منطقة الخليج.
وكان فائض الدبلوماسية العُمانية مقروءاً في أزمات العراق وهو مقروء اليوم في الحالة اليمنية التي تنفرد عُمان فيها بالوقوف إلى جانب الشعب اليمني دون تدخل في شؤون اليمن كما تنفرد عُمان برؤية ظلت صائبة في الأزمة السورية التي عبث بعض العرب فيها ولم يداو جرحها بل رشوا عليه ملحاُ ودفعوا بها باتجاه التدويل وما يحمله من مخاطر قد تحققت الآن.
لقد كان لعُمان مواقف أثبتت صحتها وحيادها ومصداقيتها وسلامة رؤيتها، واليوم إذ تقترب عُمان من القضية الفلسطينية أكثر مؤمنة بالتفاعل لا الانتظار وبالعمل لا الغياب وبشرح وجهات النظر وتقريبها.
فهي لا تخش اتهامات مزايدة وزائفة ولا تريد أن تبقى بعيدة صامتة عن الحق خشية أن يتلوث ثوبها الأبيض الذي تعتقد بنظافته وقدرته أن يقدم النموذج أنها تقدم على موقف يراه الآخرون صعبا ومجلباً للشبهة في حين تراه إنقاذاً للشقيق من الغرق وتحملاً للمخاطرة فهي لا تخش أولئك الذين لا يملكون إلا الألسنة ليسلقوا بها العاملين على الحق وبالحق وإنما تريد أن ترد على أقوالهم بأفعال بعد أن تبين أن أولئك الذين سارعوا ذات يوم في اتهام السلطنة بالحياد والابتعاد هم من احتاج إلى مواقفها وأرسل طالباً جهدها ودورها وحركتها.
لا تضع عُمان بيضها في سلة واحدة عند تزاحم المصالح واختلاف السياسات والنوايا، بل ترصد وتترك لنفسها مسافة القدرة على الحركة لتشاهد مساحات أوسع من الخلافات وتكون قادرة على التشخيص ووصف المعالجة والمساهمة فيها.
عُمان تُحرك ما تم جموده في القضية الفلسطينية نتاج عجز المجتمع الدولي وكسله وانحيازه وهي في رأيي ليست وسيطاً بل محركاً وناصحاً ومقرباً وداعية إلى السلام انطلاقاً بما ظلت تؤمن به دائماً.
عُمان ليست اليوم بحاجة إلى تبرير مواقفها وما تقدمه من مبادرات وجهد وإنما تمضي مؤمنة برسالتها المرحب بها من جانب الفلسطينيين الذين استقبلت قيادتهم الشرعية موفد السلطان ورجل الدبلوماسية العُمانية في وقت جرى طعن هذه القيادة الفلسطينية الشرعية من أطراف أخرى فلسطينية للأسف وعربية إقليمية أرادت أن تهرب من واجبها ودورها تجاه القضية الفلسطينية، فأمعنت في الخطأ حين راحت تطرح بديلاً للقيادة الفلسطينية وشأنها شأن من أراد أن يعالج قضية الفقر بقتل الفقراء بدل مساعدتهم.
فلسطين وشعبها وقيادتها صامدون هذا ما قاله السلطان قابوس بن سعيد وهذا ما قاله زائر فلسطيني وواضع الزيت في سراج الأقصى والبخور في كنيسة القيامة والشاهد على الميلاد ومهد المسيح في بيت لحم، والزائر لضريح أبي الأنبياء في الخليل وقد جاء ليطرح عليه السلام ويبشره بأن في إتباعه من يؤمن بالسلام ومن يرتحل ويشد الرحال من اجل السلام إلى اليوم.
الفلسطينيون يقرؤون المهمة العُمانية بوعي وترحيب لأنها تأتي من إرادة صادقة وقلب عامر بالمحبة للأشقاء والسلام للمنطقة وشعوبها كافة.