الذكرى الـ30 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين جمهورية الصين الشعبية ودولة فلسطين
(بقلم السفير قوه وي مدير مكتب جمهورية الصين الشعبية لدى دولة فلسطين)
أعلنت دولة فلسطين وجمهورية الصين قبل 30 عاما، إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
في يوم 20 من شهر نوفمبر قبل 30 سنة، أعلنت الصين وفلسطين إقامة العلاقات الدبلوماسية، مما سجل علامة فارقة في تاريخ علاقات التعاون الودي بين البلدين. خلال الـ30 سنة التي مضت على إقامة العلاقات بين البلدين، وبفضل الرعاية المشتركة بين قادة البلدين والجهود المتضافرة من شعبيهما، تتطور العلاقات الصينية الفلسطينية باستمرار، حيث تشكل معادلة متميزة تتمثل في أن الدعم المتبادل الخالص ميزة جوهرية، والتعاون وتبادل الموارد البشرية جناحين، والتقارب بين الشعبين قاعدة متينة، الأمر الذي يعود بالخير الحقيقي على شعبي البلدين. وبمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ30 لإقامة العلاقات الدبلوماسية، يطيب لي أن أعبر باسم المكتب، وبالأصالة عن نفسي، عن أسمى التحيات لقدامى الأصدقاء الذين ساهموا ويساهمون في قضية الصداقة بين الصين وفلسطين.
خلال الـ30 سنة الماضية، تتثبت الثقة السياسية المتبادلة بين البلدين باستمرار. إذ أرسى رئيس الصين ماو تسيتونغ ورئيس مجلس الدولة تشو آنلاي ورئيس فلسطين ياسر عرفات وغيرهم من القادة القدماء أساسا متينا للعلاقات بين البلدين. على الرغم من تغير الأوضاع الدولية، ظل الجانبان ينظران إلى العلاقات الثنائية انطلاقا من منظور استراتيجي وبعيد المدى، كما يتبادلان الفهم والدعم بشأن قضايا تتعلق بالمصالح الجوهرية والهموم المشتركة، وما زال البلدان وشعباهما حميمين مثل الأشقاء. منذ عام 2013، تلبية لدعوة رئيس الصين السيد شي جينبينغ، قام الرئيس الفلسطيني السيد محمود عباس بزيارة إلى الصين، حيث وضع رئيسا البلدين التصميم على أعلى المستوى حول تطوير العلاقات الصينية الفلسطينية في العصر الجديدة. قام السيد وانغ تشيشان نائب رئيس الصين بزيارة ناجحة إلى فلسطين، الأمر الذي صب قوة لتنفيذ توافق الآراء لرئيسي البلدين والدفع بتطور العلاقات بين الصين وفلسطين في العصر الجديد. اليوم، تبادل الرئيسان ورئيسا مجلس الوزراء ووزيرا الخارجية رسائل التهنئة، احتفالا بهذه المناسبة المهمة، تعبيرا عن الاهتمام البالغ والثقة الكاملة للعلاقات الثنائية في المستقبل.
خلال الـ30 سنة الماضية، يمضي التعاون العملي قدما بين البلدين بخطوات ثابتة. في يوليو الماضي، زارت السيدة عبير عودة وزيرة الاقتصاد الوطني الفلسطينية الصين، حيث شهدت انطلاقا رسميا لآلية اللجنة الاقتصادية والتجارية المشتركة التي أصبحت منصة جديدة لتشارُك البلدين في بناء الحزام والطريق. خلال زيارة نائب رئيس الصين وانغ تشيشان فلسطين، تم توقيع مذكرة التفاهم لبدء مفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة. إن التبادلات التجارية بين البلدين نشيطة ويمكن أن نرى السلع الصينية في كل الأسواق الفلسطينية. كما تدعم الصين كالمعتاد تنمية فلسطين ومعيشتها، فقد بلغ عدد المشاريع المدعومة من قبل الصين أكثر من 40، بما فيها عمارة وزارة الخارجية، وفي السياق ذاته، ساعد الجانب الصيني في تدريب أكثر من 4500 فلسطيني في كافة المجالات إضافة إلى أن الجانب الصيني قدم منحا دراسية لـ815 طالبا وطالبة فلسطينية للتعليم في الصين. يدفع الجانب الصيني بخطوات ثابتة مشاريع المساعدة، بما فيها محطة كهربائية بالطاقة الشمسية في بني نعيم، ومشروع الطرق الرابطة في مدينة رام الله، والدفعة الثانية للبلاطات العشبية الاصطناعية لتعشيب الملاعب الفلسطينية. قدم الجانب الصيني المساعدة بلا مقابل بقيمة 100 مليون رنمينبي (العملة الصينية) للجانب الفلسطيني للسنة الثانية على التوالي، ومساعدة إنسانية عاجلة بقيمة 1 مليون دولار أمريكي، كما زاد المبلغ المقدم لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا.
خلال الـ30 سنة الماضية، شهد التبادل الاجتماعي والشعبي زخما متزايدا. إذ يشارك شعبا البلدين قلوبهم على الرغم من بعد مسافة البلدين. تم توقيع اتفاقيات تعاون بين الجانبين في المجالات الحزبية والثقافية والرياضية والإعلامية والقضائية والأكاديمية والبشرية. تقوم وفود حزبية وإعلامية وشبابية من الجانب الفلسطيني بزيارة الصين كل سنة. أقام المكتب مسابقة التصوير على السنتين المتتاليتين، كما يدعو المكتب كل سنة وفود الكاراتيه أو المسرحية إلى فلسطين في إطار حفلات الاستقبال للعيد الوطني الصيني وعروض "السنة الجديدة السعيدة". بلغ عدد المدرسين والمتطوعين لتعليم اللغة الصينية 5 أشخاص، ويجري الجانبان الصيني الفلسطيني البعث في إقامة معهد كونفوشيوس، مما يعزز الفهم والصداقة بين الشعبين خاصة الجيل الشبابي.
إن الصين من أوائل الدول التي دعمت قضية الشعب الفلسطيني العادلة وتعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين، خلال الـ30 سنة الماضية، تدعم الصين بثبات قضية الشعب الفلسطيني العادلة لاستعادة حقوقه الوطنية المشروعة، وتدعم إقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة الكاملة على أساس حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. طرح رئيس الصين شي جينبينغ آراء ذات النقاط الأربع للدفع بحل قضية فلسطين أثناء زيارة فخامة الرئيس محمود عباس إلى الصين في شهر يوليو العام الماضي، أولا: الدفع بثبات بالحل السياسي القائم على أساس "حل الدولتين. ثانيا: الالتزام بمفهوم أمني مشترك ومتكامل وتعاوني ومستدام. ثالثا: مواصلة تنسيق جهود المجتمع الدولي، وتعزيز الجهود السلمية المشتركة. رابعا: اتخاذ إجراءات متكاملة وتعزيز السلام عبر تحقيق التنمية. في شهر يوليو الماضي، قال الرئيس شي جينبينغ خلال الجلسة الافتتاحية للدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي إن قضية فلسطين القضية الجذرية للسلام في الشرق الأوسط. ظل الشعب الصيني يقف مع الحق والمستضعفين، ندعو كافة الأطراف المعنية إلى الالتزام بالتوافق الدولي والتعامل مع القضايا المتعلقة بفلسطين بشكل عادل، وعدم زرع بذور الفتنة الجديدة في المنطقة. ندعم عقد مؤتمر دولي جديد لقضية فلسطين، ندعم إيجاد آلية مبتكرة لإحلال السلام في الشرق الأوسط، واتخاذ "حل الدولتين" و"مبادرة السلام العربية " كالأساس لدفع مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية للخروج من الجمود في أسرع وقت ممكن.
توظف الصين تفوقها الذاتي من أجل النصح بالتصالح والحث على التفاوض بشكل إيجابي، مما يواصل صب القوة الإيجابية لدفع حل القضية الفلسطينية الإسرائيلية. يجري المبعوث الصيني الخاص لقضية الشرق الأوسط زيارة فلسطين الآن. كما أكد مستشار الدولة ووزير الخارجية وانغ يي في الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي، فإننا لا يمكننا ترك قضية فلسطين مهمشة، ولا يمكن لحقوق إقامة دولة فلسطين المستقلة أن تقايض، ولا يمكن ترك الشعب الفلسطيني فاقدا للأمل.
استعراضا للماضي، فقد قطعت العلاقات الصينية الفلسطينية شوطا كبيرا خلال الـ30 سنة الماضية، مما يقدم نموذجا يتسم بالصداقة المخلصة والاحترام المتبادل والتعامل المتساوي بين الدول النامية مهما كان وزنها، ويرسي أساسا متينا لتطور العلاقات المستمر المستدام بين البلدين. استشرافا للمستقبل، نحن على ثقة تامة في الدفع بالعلاقات الصينية الفلسطينية إلى درجة أعلى.
أولا، مواصلة تعميق الثقة السياسية المتبادلة وتكثيف التبادل رفيع المستوى. إن الجانب الصيني مستعد للعمل مع الجانب الفلسطيني على تنفيذ توافق الآراء المهم الذي توصل إليه قادة البلدين وتوظيف الدور التوجيهي الذي يلعبه تبادل الزيارات على مستوى رفيع وتعزيز التواصل في ناحية خبرة الحكم والإدارة، إلى جانب مواصلة تبادل الدعم فيما يتعلق بالمصالح الجوهرية والهموم الهامة.
ثانيا، الاستمرار في دفع عملية التعاون العملي، ورفع مستوى التعاون. إن دولة فلسطين دولة مطلة على "الحزام والطريق"، من هنا تأتي إمكانية كبيرة لتعزيز التعاون في مجالات البنية التحتية والطاقة المتجددة والزراعة والسياحة وغيرها. إن الجانب الصيني سيسعى إلى الدفع للتوصل إلى اتفاق التجارة الحرة بين البلدين وإطلاق بناء مشروع محطة الطاقة الشمسية في يوم مبكر وتشجيع الشركات ذات القدرة والإمكانية لإجراء التعاون الاستثماري في فلسطين ومواصلة تقديم ما في وسعها من مساعدات تخدم التنمية الاقتصادية والاجتماعية لفلسطين، بما يعود بالخير الحقيقي على الشعب الفلسطيني.
ثالثا، الدفع بالتبادل الاجتماعي والشعبي في اتجاه تشارك القلوب. سيقدم الجانب الصيني المزيد من المنح الدراسية وفرص التدريب، ويكثف التواصل والتعاون بين البلدين في المجالات الحزبية والأكاديمية والإعلامية والشبابية، ويعزز تبادل الزيارات للوفود الثقافية والفنية، ويدفع بإنشاء معهد كونفوشيوس، وصولا إلى بناء جسر الصداقة والتواصل بين شعبي البلدين.
رابعا، النصح بالتصالح والحث على التفاوض، واتباع الحق ونصرة العدالة. انطلاقا من رخاء الشعب الفلسطيني والسلام والاستقرار للمنطقة، سيظل الجانب الصيني يدعم قضية الشعب الفلسطيني العادلة ويدعم حلا سياسيا لقضية فلسطين عن طريق التفاوض، ويدعم انعقاد المؤتمر الدولي. كما سيلعب دورا أكثر إيجابية وبناء من أجل حل عادل وشامل ودائم لقضية فلسطين.
إن الـ30 سنة لحظة في مسيرة التاريخ، حيث سجل شعبا البلدين صفحة خالدة وحافلة بالدعم المخلص المتبادل في السراء والضراء في كتاب الصداقة الصينية الفلسطينية. ويحرص الجانب الصيني على تضافر الجهود مع نظيره الفلسطيني لينطلق من الذكرى الـ30 لإقامة العلاقات الدبلوماسية، يدا بيد، لسجل صفحة جديدة للصداقة الصينية الفلسطينية في العصر الجديد.