ماهر الغائب الحاضر
الحارث الحصني
تنشغل آمنة أبو عرة هذه الأيام، بالتنسيق مع وسائل الإعلام المختلفة، للحديث عن فيلمها "أربعة"، والذي يتحدث عن ماهر صالح، من قرية "زواتا" شمال نابلس، والذي نال مؤخرا جائزة عالمية.
غير أن بطل القصة، قد توفي في شهر تموز الماضي؛ بعد إصابته بأربعة أنواع من مرض السرطان المختلفة في جسده.
وعلى الرغم من أنه قد مر على وفاته أربعة أشهر، فما زال ماهر أو بشكل أدق الفيلم الذي أنتجته أبو عرة عن حياته، يجوب العالم في مسابقات متعددة.
وكانت آخر محطة له مشاركته في مسابقة "أفرابيا"، للشباب العربي والإفريقي، التي ينظمها مجلس الشباب العربي والافريقي في دولة السودان، والتي علمت بها أبو عرة من سهاد زهران من مفوضية العلاقات العربية والصين الشعبية.
ويتعدى الأمر أن يكون الفيلم مجرد مشاركة في مسابقة "أفرابيا" المقامة في القارة السمراء، بل حصد الفيلم الذي كان عبارة عن مشروع تخرج لأبو عرة، المرتبة الاولى.
وشملت المسابقة على زوايا ( الشعر، والقصة القصيرة، والفنون التشكيلية، والغناء والموسيقى، والأفلام القصيرة).
وصحيح أن فكرته لدى أبو عرة كانت في بداية الأمر عن طفل يتحدى السرطان، لكن بعد تعمق وتفكير ومشاورات مع مدرس المساق، صدقي موسى، رسا القرار على انتاج فيلم عن صالح.
" لقد كانت الفكرة صغيرة". تضيف الشابة.
فمع بداية الفصل الدراسي الأخير في السنة الأخيرة لآمنة، وهي طالبة إعلام من بلدة عقابا شمال طوباس، وقع اختيارها على انتاج هذا الفيلم كمشروع التخرج، نظرا كما تقول بأن قصته تستحق أن تكون فيلما مصورا.
تقول أبو عرة لمراسل "وفا": زرت المرحوم أول مرة قبل ذكرى ميلاده الأخير بيوم، ومن ثم بدأت أضع اللمسات المتتالية على بنائه".
وخلال الفصل الدراسي المقرر في الجامعة العربية الأمريكية، في بلدة الزبابدة جنوب جنين، ظلت الشابة تواكب تصوير أحداث الفيلم في أماكن متنوعة لمدة 3 شهور.
تقول إنها اخذت له لقطات مصورة في بيته، والشارع، ومكان عمله، وأماكن عامة، وعندما كان يشارك مع فريق "اركض للحرية"، والفعاليات اليومية في نابلس، وأثناء علاجه".
" لقد كان شخصا مكافحا". تشير.
وبعد الانتهاء من تصوير المادة الفيلمية، وتحريرها، وصلت عدد دقائقها 14، وسُلم بهذا الشكل لمشروع التخرج.
إلا أن تحسينات إضافية، وبعض التعديلات التي أجرتها أبو عرة، على الفيلم، غيرت شكله بشكل كبير، لكن مع ثبات المضمون.
تقول إنها عدّلت عليه كثيرا، وأضافت بعض الأعمال التي كان يفعلها مع الأطفال، وجنازته.
وبالشكل الجديد، وصلت مدة الفيلم تقريبا لـ16 دقيقة، شاركت أبو عرة كمادة في المسابقة.
لقد مر خلال التصوير مشهد لا يُنسى كما تصفه أبو عرة، عندما كان المرحوم يُطعم "سلحفاة" بطيئة الحركة، وهي التي تمثل حالته بأنه سيصل إلى بر الشفاء حتى لو كان الأمر بطيئا.
تضيف: لا أنسى تَهدُّج صوته في إحدى مقابلاته، حتى حينما تلا وصيته في الفلم كاد أن يبكي.
وكان ماهر صالح، وهو موظف في شركة كهرباء الشمال في نابلس، قد احتل مساحة واسعة من حديث الناس الذي التقوا به أو عرفوه، وأخذت قصته حيزا كبيرا في العالمين الافتراضي والواقعي حتى بعد وفاته.
وفي الواقع، فإن أربعة أنواع من السرطان وهي (الثدي، والكبد، والرئة، والعظام) لم تمنع صالح (50) عاما، من الانخراط بالمجتمع المحلي.
صباح اليوم، في جو متقلب، يكون قد مر على رحيل صالح، زهاء الأربعة أشهر، لكن الفيلم الذي جسد حكايته يحصل الآن على الجائزة الأولى في المسابقة، ومتوقع حسب الإعلان أن تسلم الجوائز للفائزين في التاسع من ديسمبر المقبل، في السودان، بتشريف النائب الأول رئيس الجمهورية، بكري حسن صالح.