الإعلان عن مراسم وداع وتشييع القائد الوطني المناضل الكبير اللواء فؤاد الشوبكي    "مركزية فتح": نجدد ثقتنا بالأجهزة الأمنية الفلسطينية ونقف معها في المهمات الوطنية التي تقوم بها    17 شهيدا في قصف الاحتلال مركزي إيواء ومجموعة مواطنين في غزة    الرئيس ينعى المناضل الوطني الكبير اللواء فؤاد الشوبكي    سلطة النقد: جهة مشبوهة تنفذ سطوا على أحد فروع البنوك في قطاع غزة    و3 إصابات بجروح خطيرة في قصف الاحتلال مركبة بمخيم طولكرم    الرئيس: حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة سيسهم في بقاء الأمل بمستقبل أفضل لشعبنا والمنطقة    "استغلال الأطفال"... ظاهرة دخيلة على القيم الوطنية وجريمة يحاسب عليها القانون    "التربية": 12.799 طالبا استُشهدوا و490 مدرسة وجامعة تعرضت للقصف والتخريب منذ بداية العدوان    الاحتلال يشرع بهدم بركسات ومنشآت غرب سلفيت    الاحتلال يعتقل شابا ويحتجز ويحقق مع عشرات آخرين في بيت لحم    10 شهداء في استهداف شقة سكنية وسط غزة والاحتلال يواصل تصعيده على المستشفيات    استشهاد مواطن وإصابة ثلاثة آخرين خلال اقتحام الاحتلال مخيم بلاطة    الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد بالأغلبية قرارين لدعم "الأونروا" ووقف إطلاق النار في غزة    الاحتلال يعتقل 10 مواطنين من الضفة بينهم مصاب  

الاحتلال يعتقل 10 مواطنين من الضفة بينهم مصاب

الآن

حين وقفت الانتفاضة بوجه الاحتلال بالدواجن والبندورة والمخلل

 يامن نوباني

في صيف العام 1988، لاحق جنود الاحتلال وأوقفوا طفلا فلسطينيا، حافي القدمين، بسبب حمله سطلا من البندورة أثناء منع التجول المفروض على بلدته قباطية، وحصارها لعدة أسابيع، في محاولة لتجويعها وتركيعها.

وفي بيت ساحور لاحقت حكومة الاحتلال (18 بقرة) من بيت لبيت وأصدرت أمرا عسكريا بإلقاء القبض عليها، وفرضت حصارا استمر عدة أشهر (16-7 إلى 21-9 1988) من أجل القضاء على الظاهرة وعدم انتشارها في تجمعات فلسطينية أخرى كانت تسعى لتحقيق جزء من الاكتفاء الذاتي، وحاصرت البلدة التي رفضت دفع الضرائب وأعلنت العصيان المدني على سلطة الاحتلال.

تربية الأبقار والماشية والدواجن وزراعة الخضار وأشتال الزيتون، وصناعة المخلل كانت من وسائل المقاومة التي أبدع الشعب الفلسطيني في اختراعها خلال انتفاضة الحجارة (1987-1994)، عبر اللجان الشعبية والتطوعية واللجان الزراعية والنشطاء، لتحقيق درجة من الاكتفاء الذاتي ومقاطعة المنتجات الاحتلالية والعودة إلى الأرض واستصلاحها، وهو ما تمت محاربته بقوة من قبل الاحتلال، خاصة تجربة بيت ساحور الشعبية.

يروي كتاب: "أنياب الخروف.. الانتفاضة على طريق الاستقلال الفلسطيني" الصادر عام 1989 للمؤلف عبد الجبار عدوان: انه على الرغم من العداء الموجه إلى اللجان الشعبية ومحاولات قمع تحركاتها، إلا أن هذه اللجان قامت بدورها على أكمل وجه، والعلنية تحولت الى السرية، وأصبحت نهجا متعارفا عليه.

ويضيف الكتاب: التعاونيات الزراعية أصبحت منتشرة في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولجان الإغاثة الطبية منتشرة هنا وهناك، ودورات الاسعاف التي تشرف عليها هذه اللجان تقوم بعملها على أحسن وجه، فاللجان الشعبية توزع مندوبيها الأطباء على لجان الحي، لفحص الأهالي، وعمل يوم طبي في كل حي أسبوعيا، وتوزيع مواد الاسعاف من القطن والشاش، واليود والمطهرات، والضمادات وغيرها من المواد الطبية التي تمنع استنشاق الغاز المسيل للدموع وتمنع الاختناق، بحيث يمكن القول انه لا يوجد منزل في نابلس لم يستلم هذه الكمية من أدوية الإسعافات الأولية، وهذا على صعيد مدينة واحدة. أما بقية المدن والقرى والمخيمات فهي تحظى بنفس الاهتمام وبنفس العناية.

واللجان الشعبية فرضت تسعيرة واحدة للعلاج في أنحاء الضفة، بحيث تبلغ الكشفية 3 دنانير أردنية، واذا زادت عن هذا الحد.. يبلغ عن الطبيب المسؤول ليتم معاقبته من قبل اللجان، كذلك تقوم اللجان باستبدال الأدوية الاسرائيلية بالعربية، وتقوم بعملية تفتيش على كل الصيدليات من أجل فحص الدواء، والتأكد من استخدام الدواء العربي البديل أولا.

هذا عن الجانب الطبي، فماذا عن الجانب الزراعي والتعاوني؟ لقد طرحت القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة الترشيد المنزلي والاستهلاك المحلي أسلوبا من أساليب استمرار الانتفاضة، وعلى هذا فقد قامت اللجان الشعبية كأذرع للقيادة الموحدة، هذا الشعار لكي يتحول الى فعل .. وفعلا استطاعت أن تنشئ العديد من المزارع في شتى أنحاء فلسطين.

وتحت عنوان: "بهدف تقليص الاعتماد على الاقتصاد الإسرائيلي.. الانتفاضة تجعل الخضار والدواجن رموزا ثورية" نشرت نيو ستيتسمان (مجلة بريطانية سياسية ثقافية): بتاريخ 28-6-1988: رموز الانتفاضة الفلسطينية الجديدة هي نبتة البندورة، ومرطبان الخل وحظيرة الارانب. فالفلسطينيون من سكان الضفة الغربية يستعدون لتحقيق النصر. والان، يقوم اساتذة الجامعات في رام الله بزراعة الخضر في احواض الزهور. وفي نفس الوقت، عاد القرويون الى زراعة الاراضي المهجورة، والى تعلم فنون الزراعة من كتاب "هيث روبنسون" الذي يبين كيفية ري المحاصيل بواسطة علب العصير البلاستيكية المثقوبة وكيفية تحويل ثلاجة قديمة الى حاضنة باستخدام مولد كهربائي، وبالاستعانة ببطارية سيارة وكمية كبيرة من ورق القصدير.

والحاضنة ترمز الى عودة الفلسطينيين الى الأرض والفلاحة. ولا شك أن هذا المزيج من الاستهلاك والتخلف من ابرز ملامح حياة السكان العرب في قطاع غزة والضفة الغربية تحت نير الاحتلال الاسرائيلي، حيث ظلت الحكومات الاسرائيلية تقف عائقا امام الصناعات والخدمات، في الوقت الذي استغلت فيه السكان كسوق ومصدر للعمالة الرخيصة.

ومما لا ريب فيه أن عودة الفلسطينيين إلى الأرض ومقاطعتهم السلع والأعمال الاسرائيلية يهدف الى قلب هذه العملية رأسا على عقب. وقد أدت هذه الحركة إلى إحداث تحول مهم في الحرب الحالية: فالقوارب المسلحة الاسرائيلية تقوم بحراسة ماكينات الدراسة في القرى، ويدور الجنود الاسرائيليون بحثا عن أحواض الخضرة لقياس حجم الثمرة ومعرفة درجة اللون في ثمار البندورة. وعندما قطعت اسرائيل امدادات البنزين عن الضفة الغربية، ظهرت مئات الحمير في شوارع نابلس. وأثناء الحصار الذي كان يضربه الجيش حول القرى التي يضع أبناؤها الحواجز في الطرقات أو تعلن أنها أصبحت مناطق "محررة" كان الجيران في القرى المجاورة يرسلون حميرا محملة بالمواد الغذائية عبر التلال الوعرة وصولا إلى القرى المحاصر.

وفي دراسة للشاعر والأكاديمي الفلسطيني حسين البرغوثي بعنوان "حُفاة في مواجهة الجيبات العسكرية: الانتفاضة الأولى في القرى"، كانت اللجان الشعبية ذات أهمية خاصة بصفتها أجهزة الدولة الفلسطينية، وقد أسس نموذجها الأول في مطلع السبعينيات على هيئة لجان العمل التطوعي. لقد جاء الشيوعيون الفلسطينيون بفكرة مساعدة القرويين في جني محاصيلهم، وانخرط فيها ناشطو فصائل منظمة التحرير.

لم يكن هناك مقار ولا وثائق رسمية ولا أوامر، إن بساطة لجان العمل التطوعي وفاعليتها وديمقراطيتها وانتشار قيادتها كانت مصدر إلهام في تشكيل اللجان الشعبية للانتفاضة.

كان أحد مظاهر الصراع بين أجهزة الدولة الاسرائيلية وأجهزة الدولة الفلسطينية هو "الجيش في مواجهة اللجان الشعبية"، منها العقاب الجماعي لتجمع بأكمله.

الجندي الاسرائيلي جوناثان كيستنباوم، يقول: كانت قباطية تخضع لعدة أسابيع متواصلة لنظام منع التجول (من 25 تموز الى 20 آب 1988)، ويرفع ساعتين كل ثلاثة أيام، جرى قطع الكهرباء وكان وصول الصحفيين ممنوعا، وكانت المحاصيل تترك لتتعفن في الحقول بينما الناس يجوعون.

"ويضيف: مع وصولنا الى نهاية الدورية الليلية، رصدنا عائلة تجلب سطلا من البندورة، وعلى حين غرة باشر جيبنا العسكري مهمته كأن مستقبل دولتنا يعتمد عليه. حاصرناهم واستجوبناهم لنرسل تقريرا الى الضابط في القيادة. قالوا لنا إنه ليس لديهم أي طعام وإنهم ببساطة يتضورون جوعا إلى حد الموت، وإنه لا خيار أمامهم غير هذا.. وراح فتى حافي القدمين في السادسة عشرة من عمره يركض مبتعدا عنا".

حاول الجيش الاسرائيلي في بدايات يناير 1988 إخماد الانتفاضة التي أعتقد أنها لن تدوم لأكثر من أيام عبر روابط القرى، وحين فشل، أعلن سياسات جديدة: منع التجول، والحرب الاقتصادية، وسياسة تكسير العظام.

اتسع نطاق العصيان المدني في اذار 1988، وفي نيسان ومايو من العام ذاته، اتسعت المقاطعة للمنتوجات الإسرائيلية وللعمل داخل مدن 1948 المحتلة، وبحسب أماندا هيتشون فإن أساتذة الجامعات في رام الله قاموا بزراعة الخضار في أحواض الزهور، وزرع القرويون الأراضي المتروكة، وأحالوا الثلاجات البالية إلى حاضنات لتفريخ الدجاج باستخدام محركات كهربائية وقطع سيارات وقصدير.

المخلل سلاحا..

تروي أوراق الأرشيف الفلسطيني أن مشروع تعاونيّة سعير، التي تشكّلت خلال الانتفاضة الأولى بمبادرةٍ من اتّحاد لجان المرأة الفلسطينيّة، وأحيتها 25 شابّةً من عضوات الاتّحاد وصديقاته المنخرطات سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا في أعمالٍ نضاليّة. واحدةٌ من عدّة تعاونيّات انتشرت في الأرض المحتلّة خلال الانتفاضة، باعتبارها آليّةً إنتاجيّةً تجسّد المقاومةَ الاقتصاديّة وتدفعُ نحو تعزيز مقوّمات الصّمود بتحقيق الاكتفاء الذّاتيّ.

تكوّنت عشراتُ التّعاونيّات من هذا الطّراز في الضّفة والقطاع أثناء الانتفاضة، وكانت كلٌّ منها تضمُّ ما يتراوح بين 5 و20 عضوًا وعضوة. واتّسمت غالبيّتها ببُنية داخليّة بدائيّة، فلم تتجاوز كونها تعاونًا في الإنتاج المنزليّ، مثل التعاونيات التي تنتج المخللات في الأحياء، دون أن يخلو الأمر من وجود تعاونيّاتٍ تجاوزت هذا المستوى إلى العمل الزراعيّ وتربية الدّواجن والأغنام والأبقار وتوزيع الحليب.

واعتمد تمويل بعض هذه التّعاونيّات على تبرّعات الأعضاء، وبعضها الآخر على تبرّعات أو "مساهمة" أهالي القرية، وكانت هذه التّعاونيّات تقوم في معظمها على الشّبّان والشّابّات، ما جعلهم هدفا للاعتقالات، بل إنّ الاحتلال عمد في بعض الأحيان إلى إغلاق بعض هذه التّعاونيّات كما حدث في قرية بتير، قرب بيت لحم.

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024