"هدّوا بيتي ما هدّوا حيلي"
إيهاب الريماوي
صباحا، حين أُخرِجَت أم يوسف أبو حميد من منزلها برفقة عشرات المتضامنين مرغمة، بعد حصاره من قبل مئات جنود الاحتلال الإسرائيلي، لم يكن بحوزتها سوى حقيبة صغيرة، علقتها على رسغها، بداخلها كومة من علب الأدوية وصفها الأطباء لها، لتفادي مضاعفات صحية قد تحدث لها في حال امتنعت عن أخذها، فلطيفة الملقبة بين أوساط الناس بـ"الخنساء" تعاني من أمراض مزمنة عديدة.
حين همّت بالخروج، تقدمها أحد جنود الاحتلال، وشدّها من يدها وطرحها أرضا، محاولا الاستيلاء على حقيبتها، لكنها وكما وقفت على مدار السنين في وجوههم، وقفت هذه المرة أيضا، وصرخت في وجهه: "في الحقيبة أدويتي" فرد عليها: "أنت بالذات ما في إلك دواء".
أفرغ الاحتلال المنزل من المتضامنين، بينما بقيت أم يوسف، أو كما يناديها الناس "أم ناصر" على مقربة من منزلها ترقب حركة الجنود وهم يقومون بتفخيخه، لترفع يديها قائلة: "الله يجعله ينهدّ عليكم، بتهدّوا بيتي بس ما بتهدّوا حيلي، الحيل قوي ما بينهد".
أم يوسف كانت قوية بما يكفي وهي تشاهد حجارة منزلها تتناثر عقب التفجير، موثقة ذلك عبر هاتفها المحمول، وتقول أبو حميد: "لا أشعر بالحزن لأن همّي الوحيد أن أولادي بخير حتى لو كانوا في سجون الاحتلال".
هذا هو الهدم الثالث لمنزل عائلة أبو حميد، فالمرة الأولى كانت عام 1994، والثانية عام 2002، لكن أم يوسف "لن تنحني" هكذا قالت، "فأنا امرأة جربت كل صنوف العذاب لن يثنيني هدم البيت، سنبني غيره".
أم يوسف التي أنجبت عشرة أبناء، اغتال الاحتلال عام 1994 أحدهم وهو الشهيد عبد المنعم، وأسر لها ستة آخرين هم: ناصر الذي اعتقل عام 2002 وحكم بالسّجن المؤبد لسبع مرات و50 عاما، ونصر اعتقل عام 2002 وحكم بالسّجن المؤبد لخمس مرات، وكذلك شريف المحكوم بالسّجن المؤبد أربع مرات، ومحمد محكوم بالمؤبد لمرتين و30 عاما، وجهاد معتقل إداري، وأخيرا إسلام الذي اعتقل مؤخرا بتهمة قتل أحد جنود الاحتلال خلال اقتحام نُفذ لمخيم الأمعري وقد يواجه حكما بالسّجن المؤبد.
لم يبق شيء في بيت أم يوسف إلا وطاله بطش الاحتلال، وقتلوا جنينها عندما كانت حاملا في شهرها التاسع، حدث ذلك في أحد الاقتحامات التي نفذها جنود الاحتلال لمنزلها في المخيم، حيث قام جندي بدفعها على الأرض وقال لها بغضب: "عندك عشرة أولاد وبدك كمان" فلم تتمالك نفسها من شدة الألم، وذهبت إلى المستشفى وأخبروها بأن الجنين قد مات.
لا تخشى أم ناصر ألا تجد سقفا يؤويها، حيث تقول: "كل البيوت بفلسطين بيتي".
طال الدمار الذي أحدثه التفجير منزل أم يوسف والمنازل المحيطة، التي أجبر سكانها على إخلائها بالقوة من قبل جنود الاحتلال، حيث نقلوا ما يزيد على 300 مواطن إلى ساحة إحدى المدارس القريبة، من بينهم روان الترتير (25 عاما)، وهي حامل.
زوجها محمد الترتير يقول لـ"وفا": "اقتحم جنود الاحتلال المنزل بطريقة وحشية، فهو يقع بجوار منزل أبو حميد، وكان الأمر فيه رهبة ورعب شديد وخوف، وزوجتي حامل بالشهر التاسع".
ويضيف: "طالبت جنود الاحتلال بتوفير سيارة إسعاف لنقلها للمستشفى، لكنهم رفضوا، وأصروا بأن نذهب إلى مدرسة البيرة الجديدة مشيا على الأقدام التي تبعد نحو 1000 متر عن المنزل، في ظل البرد القارس".
وعند وصولهم للمدرسة، اتصل الترتير على سيارة اسعاف التي استغرق وصولها أكثر من نصف ساعة بسبب الحصار المشدد على المنطقة من قبل الاحتلال، حيث جرى تقديم الإسعاف لها والحفاظ على الجنين.
الاحتلال أعلن منطقة المنزل المهدم منطقة عسكرية مغلقة، يمنع البناء مكانه، فيما نصب الأهالي خيمة مقابلة وأصروا بعدم مغادرة المكان، والبقاء لمؤازرة أم يوسف، التي أعلن وزير هيئة الجدار والاستيطان وليد عساف عقب الهدم مباشرة عن تشكيل لجنة لإعادة إعمار المنزل والمنازل التي سيطالها الهدم، لأننا شعب لا يتخلى عن مناضليه.