المنزل المعذب
هدى حبايب
بعد أن اغتالت قوات الاحتلال الإسرائيلي الشاب أشرف نعالوة يوم الخميس الماضي، داخل أحد المنازل في مخيم عسكر الجديد في نابلس، أقدمت فجر اليوم الاثنين، على هدم طابقين من منزل ذويه في ضاحية شويكة شمال مدينة طولكرم.
تعزيزات مكثفة من جنود الاحتلال وآلياته وجرافاته اقتحمت الضاحية لتنفيذ مخطط الهدم الذي شرعته إحدى محاكم الاحتلال، التي أقرت في الخامس عشر من شهر تشرين أول/أكتوبر الماضي مصادرة وهدم طابقين من منزل نعالوة الكائن في حي "القطاين" في الضاحية.
تنفيذ قرار الهدم جاء بعد انتهاء المهلة التي حددتها محكمة الاحتلال لعائلة نعالوة لإخلاء منزلها في السادس عشر من الشهر الجاري.
وتتهم اسرائيل الشهيد نعالوة بقتل مستوطنين في مستوطنة "بركان" في السابع من تشرين أول/ أكتوبر الماضي، ومنذ ذلك التاريخ والمنزل يتعرض لعمليات مداهمة وتفتيش وتخريب لمحتوياته، وتهديد لساكنيه واعتقالهم.
في الساعة الثالثة فجرا، حاصرت قوات الاحتلال الحي بالكامل، قبل أن تقتحم منزل نعالوة بغطاء من الرصاص المطاطي وقنابل الغاز المسيل للدموع الذي أطلقته صوب عشرات الشبان الذين حاولوا منع الآليات من الوصول للمنزل، في الوقت الذي نكلت فيه بالصحفيين وأجبرتهم تحت تهديد السلاح على مغادرة البناية المقابلة لمنزل نعالوة.
6 ساعات متواصلة استغرقتها عملية هدم الطوابق السفلى من المنزل، بدأت بتفتيش جنود الاحتلال لكامل البيت ومحيطه، مستعينين بكشافات إضاءة كبيرة، وتخللها إطلاق القنابل الضوئية في سماء المنطقة، فيما تجولت جرافة احتلالية ضخمة في ساحة المنزل عدة مرات، قبل أن تبدأ عمليات هدم جدران الطابق الأول، ثم حطموا الجدران الداخلية للطابق الثاني باستخدام المطارق اليدوية.
وكان المنزل الذي يتكون من ثلاثة طوابق مأوى لوالدي الشهيد، الأسيرين حاليا، وشقيقته الصغرى، وشقيقه الأسير أمجد المتزوج حديثا الذي يسكن في الطابق الثالث.
يقول الأسير المحرر غسان مهداوي خال الشهيد أشرف لمراسلة وفا: "الحجارة التي هدمها الاحتلال ليست أغلى من أشرف، سنبنيها، ولكن العالم سيكتشف حقيقة الاحتلال الزائلة الذي يتبجح بالديمقراطية المزيفة وينتهك كل القوانين والأعراف الدولية والإنسانية".
ويضيف أن "هذه الإجراءات تفوح منها رائحة حقد شديدة تجاه هذه العائلة المناضلة، من تنفيذ عملية اغتيال وإعدام جبانة لأشرف واحتجاز جثمانه، واعتقال أهله، وتدمير منزله، وهذا لن يثنينا ليس فقط كعائلة شهيد وأسرى وإنما كشعب فلسطيني عن مواصلة طريقنا نحو الحرية والاستقلال".
ويقول ابن عم والد الشهيد أشرف: "هذا المنزل هو مجهود تعب أكثر من 40 عاما لوالد أشرف الذي كان يعمل في المناطق المحتلة عام 1948، كان في الماضي يعيش في بيت بالإيجار، ولكنه صمم على بناء بيت يأويه وعائلته مدى الحياة، إلا أن الاحتلال أبى إلا أن يهدم كل ذكرى جميلة عاشتها العائلة في كنف هذا البيت".
فيما يقول مهداوي: "نزداد يقينا أننا بتنا قاب قوسين وأدنى من الوصول لأهدافنا لكن رسالتنا بالداخل الفلسطيني نحن شعب أحوج ما نكون إلى الوحدة التي لا تقسمنا".
وفي الطابق الثالث حيث منزل الأسير أمجد شقيق الشهيد أشرف، وقفت شقيقته الصغرى سندس الطالبة في جامعة خضوري، على إحدى النوافذ، تربت خالتها على كتفها، في محاولة منها للتخفيف من ألم قلبها المكلوم، وتؤنسها في ظل وحشة افتقاد شقيقها الشهيد أشرف، وغياب والديها وشقيقها الأكبر قسرا في سجون الاحتلال.
أخفت حزنها بابتسامة، وهي تشير بيديها إلى ساحة المنزل والأشجار المزروعة بها، تحدث خالتها عما كانت تقوم به والدتها، الأسيرة التي تقبع حاليا في سجن الدامون، منذ الصباح الباكر من الاعتناء بالحديقة الخضراء التي تنبض بالحياة. وتقول: "كلما نظرت إلى هذا الجانب من البيت اشتم رائحة أمي، اليوم هدم الاحتلال البيت ولكنه لم يمحُ الذكريات".
وما زالت قوات الاحتلال تعتقل والدي مهداوي وشقيقه الأكبر وزوج شقيقته منذ أكثر من شهرين، فيما تعرضت شقيقاته الثلاث للاعتقال والاستجواب أكثر من مرة.