عندما تعود الأغنام دون راعيها!!
زهران معالي
صبيحة أمس الأربعاء، ساق المسن مفيد شاكر حجي (70 عاما) أغنامه لتلتقط طعامها في جبل "القبيبات" المطل على قرية برقة شمال نابلس، متنفس القرية ومرعاها، كعادته منذ أكثر من خمسة عقود، إلا أن اعتداء المستوطنين كان في انتظاره.
على سرير الشفاء في قسم العناية المكثفة بمستشفى رفيديا الحكومي، يرقد حجي بعد أن أجريت له عملية جراحية طارئة، عقب اعتداء المستوطنين عليه، قرب مستوطنة "حومش" المخلاة أعلى الجبل.
ما أن وصل حجي للجبل، حتى تفاجأ بأكثر من 10 مستوطنين في العشرينات من أعمارهم، ينزلون من أعلى الجبل الجاثمة عليه المستوطنة نحوه، صاح عليهم طالبا منهم المغادرة، إلا أن عددا منهم هاجموه بالعصي، وآخرين صاحوا بالعبرية "اضرب، اضرب".
يقول حجي لـ"وفا"، إنه دافع عن نفسه بعصاته التي يهش بها على أغنامه، وأدار ظهره وهش على قطيعه لمغادرة المكان باتجاه القرية، إلا أنه تفاجأ بحجر يرتطم برأسه أفقده وعيه قرابة نصف ساعة، ثم استفاق عقب ذلك ليجد نفسه ملطخا بالدماء، وسارع بالسير باتجاه القرية.
خلال ذلك، كانت أغنام حجي التي اعتادت سلك الطريق باتجاه القرية منذ سنوات قد وصلت حظيرتها القريبة من منزل العائلة وحيدة دون راعيها، الأمر الذي أثار ريبة زوجته يسرى دغلس (65 عاما).
تقول دغلس لـ"وفا": أدركت أن خطرا ما حل بزوجي عقب عودة الأغنام دونه، غادرت المنزل مسرعة بحثا عنه، وتفاجأت بنزوله من أعلى الجبل والدماء تملأ رأسه وقميصه ملطخ بالدماء، حتى عصاته التي يتكأ عليها كانت ملطخة أيضا".
ويضيف حجي: لن يردعنا هجومهم، لو أملك القدرة حاليا سأتوجه لرعي الأغنام بذات المنطقة، انا معتاد على رعيها في تلك المنطقة منذ عقود.
وهذا ليس الاعتداء الأول الذي يتعرض له الرجل السبعيني، فقد هاجمه المستوطنون عام 2010 في ذات المنطقة، وسرقوا رأس غنم من أغنامه، وقتلوا أربعة أخرى.
ويشير رئيس قسم جراحة الأعصاب في المستشفى عثمان بشارات، إلى أن المصاب حجي وصل للمستشفى وتلقى الإسعافات الأولية، وأجريت له صور طبقية تبين فيها أنه يعاني من كسر في المنطقة الخلفية من الجهة اليمنى من الجمجمة والعظم غائر وضاغط على الدماغ.
ويوضح أنه أجريت له عملية طارئة مساء أمس، حيث تكللت بالنجاح وجرى إزالة عظم الجمجمة المتكسر والغائر وتوقيف النزيف، وترميم الغشاء المحيط بالدماغ في المنطقة المصابة، واصفا الإصابة بالخطيرة، مشيرا إلى حاجة المصاب إلى عملية أخرى لترقيع للعظم الذي تمت إزالته، خلال الثلاثة أشهر المقبلة.
"المكان التي تلقى فيه حجي الإصابة تعتبر قاتلة، خاصة أنها في الجهة التي تعتبر مجمع الأعصاب المسؤول عن الحركة والنطق..". يؤكد الطبيب المسؤول.
حجي ليس أول ضحايا اعتداءات المستوطنين، فخلال العام الجاري أصيب ثمانية مواطنين آخرين بينهم أطفال بجروح وكسور، عدا عن تكسير عشرات المركبات وحرق الأشجار وسرقة ثمار الزيتون، وفق ما يؤكد مسؤول ملف الاستيطان شمال الضفة الغربية غسان دغلس.
وأقيمت مستوطنة "حومش" على أراضي قرية برقة وسيلة الظهر جنوب جنين عام 1980، وشكلت كابوسا لسكان تلك القرى؛ خاصة برقة التي أعاقت آمال التوسع فيها، ونهشت آلاف الدونمات من أراضيها لصالح المستوطنة، وفقدت آلاف من أبنائها بين الاعتقال والاستشهاد.
ورغم إخلاء المستوطنة عام 2005 ضمن خطة الانسحاب أحادي الجانب، الذي شمل أربع مستوطنات، ومعسكرات للجيش شمال الضفة الغربية بقرار من رئيس حكومة الاحتلال آنذاك أرئيل شارون، إلا أن المستوطنة ما زالت تشكل مصدر قلق لأهالي القرية، إثر تواجد عشرات المستوطنين بشكل دائم داخل المغر والخيام في موقع المستوطنة المخلاة، وفق دغلس.
ويشير إلى أن المستوطنين عادوا بشكل دائم للمستوطنة منذ عام 2009، رغم صدور قرار من المحكمة العليا الإسرائيلية بقضي بتسليم 2200 دونم لأصحابها الفلسطينيين عام 2013، ويمنع بموجبه دخول حملة الهوية الإسرائيلية إلى المنطقة.
ويؤكد دغلس وهو ابن قرية برقة، أن القرية تشهد مواجهات باستمرار بين الشبان والمستوطنين واقتحامات ليلية لجيش الاحتلال، ينتج عنها اعتقال الشبان بتهم رشق الحجارة على المستوطنين واقتحام المستوطنة.
ــــــ