عندما يجتمع الفلسطينيون على طبق واحد
جميل ضبابات
الملاحظة الشديدة تدفع للاستماع إلى لهجات فلسطينية محلية عديدة لخليط من الرجال والنساء في قاعة فارهة في إحدى طوابق فندق حديث غرب مدينة نابلس في الضفة الغربية.
لكن الأمر يتعدى حاسة السمع إلى الشم. فمن ناحية أخرى هناك خليط روائح عميقة لأطباق مختلفة يعدها هؤلاء.
وكل أولئك طهاة فلسطينيون اجتمعوا ضمن فريق متسابقين للخروج بأفضل طبق ضمن مسابقة، يقول منظموها، إنها فريدة من نوعها في الضفة الغربية، لاختيار أفضل الأطباق على مدار ثلاثة أيام.
مبرزا قلادة طويلة على صدره تشير إلى مجموعة من علامات الجودة في الطهي يقول سامر أبو جمعة، وهو رئيس الجمعية العالمية لماستر شيف بلاد الشام، أن المتسابقين حضروا من كل أنحاء فلسطين التاريخية ومن الشتات لتقديم أفضل ما لديهم.
وقال أبو جمعة (40 عاما) وهو مقدسي وبدأ الطهي في سن مبكرة من عمره عندما كان في الرابعة عشر أن المهرجان جمع فلسطينيين من كل مكان.
وفعليا أمكن في اليوم الثاني من المهرجان مشاهدة فلسطينيين من الجليل ومن جنوب الضفة الغربية، وآخرون من قرى المثلث.
وفي اليوم الأول حضر متسابقان من قطاع غزة ومتسابقة من الأردن.
وسميت المسابقة التي تمتد لثلاثة أيام "المهرجان الوطني الفلسطيني لفنون الطبخ"، يجري فيه استعراض أطباق لنحو 250 متسابقا .
وقال أوراس القاضي، وهو مدير تنفيذي لشركة "اوكيو" التي روجت لهذا المهرجان" وصلتنا تقريبا طلبات من أمكنة عديدة للمشاركة (..) اتصلوا من الأردن، وغزة، ومن مناطق داخل أراضي عام 48 للانضمام للمهرجان".
واقفة الى جانب مجموعة من أصناف مختلفة من الفواكه والخضار ملقاة فوق طاولة جانبية في القاعة، قالت سندس حامد وهي من مدينة الناصرة "حضرت الى هنا للمشاركة في هذا الحدث، كنت متحمسة منذ البداية لهذا العمل"، وأشارت إلى عدد رؤوس من الفجل الأبيض الذي نحتتها وجعلت منها مجسما لطاووس، وشهود رجل وامرأة يقفان على مقربة منها قالا أنهما والداها، واخبرا مراسل "وفا" أنها جاءا من بلدة طمرة في منطقة الجليل الأسفل.
عمل الشيف عودة ابو الهوى طيلة عقود طويلة في اعداد الطعام، وعندما لمع نجمه، اختير ليكون محكما في مهرجانات دولية، وهناك ايضا قدم عدة اصناف فلسطينية محلية، كان آخرها قبل فترة قصيرة في المانيا، وهناك قدم طبق "المسكعة".
وقال وهو يقف أمام مجموعة من الطهاة المتسابقين" أردنا تجميهم هنا، هذا عمل مذهل".
بالنسبة لـ ابو الهوى (63 عاما) وهو شيف مقدسي، فإن تنظيم مهرجانات مشابهة هو" أمر ملفت للعالم، ومن خلاله يستطيع الفلسطينيون تقديم أنفسهم عبر أطباقهم الوطنية". يردد المعنى ذاته محكمون آخرون.
ومن المفترض ان يشارك حتى نهاية المهرجان نحو 20 محكما بعضهم حاز على شهادات دولية في اختيار أفضل الأطباق الوطنية والغربية، وبعض أصناف الحلوى.
في الماضي القريب جدا، قدم الفلسطينيون عبر مهرجانات محلية مشابهة وجها جديدا للأطباق الفلسطينية الكلاسيكية، عبر الابقاء على المواد الأساسية في تلك الاطباق لكن بتغيير شكلها، حدث ذلك في مناطق عديدة من شمال الضفة الغربية حتى جنوبها.
وقال ابو جمعة" في اليوم الاول من المهرجان قدم المتسابقون أطباق كثيرة، جميعها فلسطينية، منها المسخن الذي قدم بعشر اختيارات جديدة (...)، لكن أبقينا على المكونات الأساسية خلال إعداده".
ويقول طهاة متمرسون حضروا لمتابعة المهرجان، إنهم يدعمون فكرة التحديث في الأطباق الكلاسيكية، وشوهد أحد الطهاة المتسابقين يقلي الفلافل محشوا بقطع من الجمبري، وقال انه يعمل في مطعم شعبي في نابلس، لكنه لا يقدم هذا النوع من الفلافل إلا في هذه المسابقة.
في المهرجان يمكن ان تسمع لأول مره أسماء أطباق محلية تنتمي الى بعض المناطق الساحلية في فلسطين التاريخية.
قالت سميرة شلبية وهي طاهية قدمت من الأردن للمشاركة في المهرجان، وتعود أصول عائلتها الى مدينة اللد أنها اعدت في اليوم الأول من المهرجان طبق الكشك.
وبلغ عـدد الفلسطينيين المقدر فـي العالم مع نهاية العام الماضي حوالي 13.05 مليون فلسطيني؛ 4.91 مليون فـي الضفة الغربية وقطاع غزة، وحوالي 1.57 مليون فلسطيني في أراضي 1948، وما يقارب 5.85 مليون في الدول العربية، ونحو 717 ألف في الدول الأجنبية.
وبعد نكسة عام 1948 هجر الفلسطينيون من مناطق سكانهم الى مناطق الشتات، ونقلوا معهم اضافة الى ذكرياتهم أصناف محلية من الطعام.
وعندما سئلت شلبية عن مكونات الطبق أوضحت "هو عبارة عن جريش القمح المنقوع باللبن والمجفف خلال الصيف، ويعاد طهيه في الشتاء للحصول علي الطاقة". وقالت" هذه طبق من مدينة اللد. طبق قديم حملناه معنا" في اشارة منها الى اللجوء الفلسطيني.
ومن المؤكد ان المهرجان الذي توالى قدوم الطهاة المشتركين في المسابقة يشير الى نمو في التعلم المنهجي فن المطابخ، الا ان طهاة تساورهم شكوك داخلية في ان هذا القطاع من الاعمال قطع شوطا كافيا في فلسطين.
قال مدير المهرجان الشيف محمد الجابي، فيما كان انفراج باب المصعد في الفندق يكشف عن قدوم المتسابقين من مدن مختلفة الى المكان المخصص للمسابقة " نريد اهتمام أكبر من النخب في هذا الجانب، في النهاية هذه أداة من ادوات الصراع".
ورغم انه أصول بعض الأطباق المحلية هي من ثقافات مشتركة بين دول شرق المتوسط، إلا ان اشارات سلبية جاءت عبر وسائل الاعلام تنذر بدخول المطبخ الاسرائيلي على هذا الخط.
يبدي الكثير من الطهاة الفلسطينيين رفضا مطلقا لادعاءات اسرائيلية حول أصول تلك الاطباق، مثل الحمص والفلافل جزء من الصراع هو صراع موائد.(..) الموضوع سياسي" قال الجابي.
وردد أبو جمعة المعمى ذاته.
ومنذ فترة طويلة يسود في القطاعات الاكاديمية ودور النشر نقاشا واسعا حول صراع الموائد.
وقال الجابي "هذه أول تجربة فلسطينية بهذا الحجم، نحن في النهاية نريد حماية الطبق الفلسطيني". يردد طهاة آخرون هذا المعنى.
بعض الأطباق لم تعد تذكر كثيرا في المطبخ الفلسطيني، مثل: المسلوعة(...) الآن يجب تقديمها بطريقة عصرية، ولا يرى الطهاة أن الطريق الى الوصول إلى دخول واسع للمطبخ الفلسطيني الى العمق الدولي.
يسرد ابو الهوى قصته الذاتية في نقل الكثير من الخبرات المحلية الى دول أمريكا اللاتينية عبر إعداد الاطباق المحلية هنا.
ويشير الجابي إلى" الوقت حان لتشكيل فريق وطني قادر على خوص مسابقات عالمية(..) اليوم نحن نكتشف الطاقات الكامنة" قال.